بسبب سعاية الوشاة الخبثاء حتى أمر الوالي بقتله، وكاد ينفذ فيه ذلك لولا أن الشريف العلوي أبا القاسم علي بن إبراهيم وهو من أهل العلم عرف للخطيب فضله، فاحتال له وشفع فيه حتى انتهت الحادثة دون أن يمس الخطيب بأذى، لكن أمر بمغادرة دمشق، وألا يقيم فيها، فخرج وأقام في مدينة صور حتى سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
ثم لم يلبث بعد ذلك أن اشتد به الحنين إلى بلدته بغداد، فشد رحله إليها، وخرج من صور عن طريق الساحل السوري إلى طرابلس، ثم إلى حلب وهكذا حتى بلغ بغداد، وكان كلما مر ببلدة أقام أياما، وعقد مجلسا للعلم، وباحث العلماء وناظرهم. وما إن وصل بغداد حتى اجتمع حوله العلماء، يسمعون منه كتابه الذي تمنى على الله قراءته في هذه البلدة " تاريخ بغداد " ويسمعون غيره من الكتب حتى وافته منيته ضحى يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وحقق الله أمنيته الأخيرة التي دعا بها عند زمزم فتخلى له الشيخ الصوفي أبو بكر أحمد ابن علي الطريثيثي عن قبر أعده لنفسه بجوار بشر الحافي، وكان الطريثيثي يتردد على القبر وينام فيه ويختم فيه القرآن كل أسبوع، ثم تخلى عنه للخطيب كي يدفن فيه إيثارا لعلم الخطيب وفضله رحمه الله ورضي عنه.
ولعل من المكافأة الإلهية للطريثيثي أن أطال الله حياته، فعمر بعد ذلك ثلاثين سنة رحمه الله تعالى.
شخصية الخطيب البغدادي:
يتمتع الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب بشخصية قوية، جمعت أطرافا من من كمال الإيمان، والعلم، والتقي، وحسن الخلق، ودقة النظام.