المنصور، فاجتمع عليه في المسجد خلق عظيم يكتبون عنه ويسمعون منه، وقرأ تاريخ بغداد في مدينة بغداد كما طلب من ربه ودعاه.
وانقطع الخطيب وقد اكتمل في العلم، وبلغ سن الحكمة، انقطع للتصنيف يعمل بجد متواصل، ورغبة شديدة، يستكمل ما بدأ تصنيفه من قبل، أو يراجع ما صنفه، أو يصنف كتبا جديدة حتى أنهي القسم الأعظم من تآليفه وأعدها للنشر والاملاء في مجالس التحديث. وقد جاوزت تآليفه عشرة آلاف ورقة، وقدرت بسبعين مجلد من المجلدات الكبار.
وبينا كان الخطيب على ذلك إذا بالاحداث تتغير فجأة لتضطره إلى الرحلة من بغداد والفرار منها.
حدثت في بغداد آنذاك فتنة الباسيري ومحاولته قلب الخلافة العباسية، وتشوش حال الناس وأمنهم، واستولى على الأمور من لا يؤمن على الأنفس والأموال، مما أتاح لبعض خصومه إيذاءه والكيد له بشتى الوسائل، فخشي أبو بكر الخطيب على نفسه وخرج من بغداد مصطحبا تصانيفه وكتبه وسماعاته، حتى أتى دمشق فاستوطنها، وظل مقيما فيها رغم علمه بهدوء الحال في بغداد وعودة الأمور إلى نصابها.
وقد اتخذ لنفسه في دمشق حلقة كبيرة في المسجد الأموي تغص بالناس، وكان ذا صوت جهوري يدوي في أرجاء المسجد حتى يسمعه آخر من في المسجد.
ولهذه الرحلة الفضل فيما ظفرت به دمشق من كتب الخطيب القيمة التي لا يزال قسم كبير منها في دار الكتب الظاهرية حرسها الله تعالى.
وفي سنة 459 قلبت له الأيام ظهر المجن - شأنها مع أولي الفضل -،