ابن الدغنة (1): أين تريد؟ يا أبا بكر! فقال أبو بكر أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال ابن الدغنة:
مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار (2)، فارجع فاعبد ربك ببلدك، فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر، فطاف ابن الدغنة في كفار قريش، فقال: إن أبا بكر خرج ولا يخرج مثله، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وأمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، ولا يؤذينا، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، ففعل، ثم بدا لأبي بكر فبنى مسجدا بفناء (3) داره، فكان يصلي فيه ويقرأ، فيتقصف (4) عليه نساء المشركين وأبناءهم، يعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد الله