و قد أثبتت الأيام التالية صدق حدس الصحابة الذين دافعوا عن الشرعية، فقد فتح منذ ذلك اليوم باب لم يغلق من حوادث الاعتداء على مركز الخليفة حتى غدا المنصب في يوم الأيام لعبة بأيدي الأقوى من قادة الجيش.
و كان يزيد في اطمئنان الصحابة، وعثمان نفسه، أن المحاصرين سمحوا لعثمان أن يصلي الناس، وكانوا يصلون خلفه.
2 - وعلى كل حال فقد منع عثمان الصحابة من القتال دفاعا عنه. رفض الهرب، ورفض القتال، ورفض ترك الخلافة. فأصبح وضع الصحابة حرجا.
و قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أنه كان يجب على الصحابة أن يقاتلوا من تلقاء أنفسهم، وهذا الخطأ عينه، ولو حصل ذلك لكان موقفا غير صحيح لا يقول به إلا من لا يقدرون الشرعية حق قدرها ولا يحلونها المكان الذي كانت تحتله في نفوس المسلمين، فلا تجوز مخالفة أو امر الخليفة ولا بشكل من الأشكال. ان في موقف الصحابة أقصى غايات الانضباط، وذلك الانضباط جزء من العقيدة التي بها فتح المسلمون العالم.
3 - يبدو أن عثمان أراد أن يحقن الدماء، خاصة أنه لا حظ أن عدد الثوار وقواهم أكبر من أهل المدينة. صحيح أن عدد لهم لم يكن يتجاوز الألفين. ولكن على ما يبدو أنهم يكن في المدينة يومها نصف ذلك العدد من المقاتلين، لذهاب معظم إلى الفتح والثغور والحج. وذلك استنجد عثمان بالأمصار اعتقادا منه، على ما يبدو، أن وصول الجيوش الكبيرة سيضطر الثوار إلى الاستسلام، ولن يكون قتال، ولن تراق دماء، لأنه كان حريصا على أن لا تراق محجنة دم مسلم من أجله.
4 - حال اتساع رقعة الدولة دون وصول النجدات في الوقت المناسب، ولما وصلت كان كل شئ قد انتهى..