وعبد الله بن سبأ، الملقب بابن السوداء، وهو يهودي من صنعاء أظهر إسلامه في زمن عثمان بن عفان، اشتهر أكثر من غيره لأنه أسلم متأخرا، وبدأ نشاطه مباشرة في العراق والشام ومصر، وظهر مع الثوار يرسم خططا ويدلي بآراء هدامة ذكرها معظم المؤرخين في كتبهم.
و قد اختلف البحاثة والمؤرخون، الأقدمون منهم والمعاصرون، في دوره وأثره اختلافا كبيرا، فمنهم من جعله المحرك الرئيسي للفتنة وصوره رجلا رهيبا على درجة كبيرة من الحنكة والذكاء و منهم من شك أو أنكر حتى وجوده.
في نظرنا لا يهم من هو عبد الله بن سبأ ومتى أسلم، وأين وكيف بدأ نشاطه.
المهم أنه وجد شخص، بل عدة أشخاص، لاتهمنا أسماؤهم بمقدار ما يهمنا الدور الذي لعبوه، كانوا يعملون ضمن مخطط واحد مدروس، لتهديم الدولة الإسلامية من داخلها، وضرب المسلمين في صميم معتقداتهم... وإذا كان ذلك مما لا يجوز التهويل من شأنه، فكذلك لا تجوز الاستهانة بالدور الذي لعبوه. وسيظهر جليا من خلال هذا الكتاب أن أولئك النفر قد لعبوا دورا مهما، كانت توجههم فيه إدارة حسنة، وفقا لخطة تشبه ما يسمى " بالحرب النفسية " في العصر الحديث، وذلك ببث الإشاعات وإرسال الرسائل المزورة عن لسان علي وعائشة و طلحة والزبير إلى الأمصار، هذا بالإضافة إلى حملهم السلاح فعلا وتنظيمهم لحوادث الاغتيال على أعلى المستويات. ويبدون من مراجعة تاريخ صدر الاسلام أن نشاطهم بدأ قبل الفتنة بزمن بعيد، وما قتل الخليفة عمر بن الخطاب سوى عمل مدبر من تصميم وتنفيذ تلك القوى الحاقدة.