فقال لهم علي: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر، وقد سرتم مراحل، ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمر أبرم بالمدينة! قالوا: فضعوه على ما شئتم، لا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزلنا. وهو في ذلك يصلي بهم وهم يصلون خلفه، ويغشى من شاء عثمان وهم في عينه أدق من التراب. وكانوا لا يمنعون أحدا من الكلام، وكانوا زمرا بالمدينة، يمنعون الناس من الاجتماع.
كتابة عثمان إلى الأمصار:
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن الله عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغ عن الله ما أمره به، ثم مضى وقد قضى الذي عليه، وخلف فينا كتابه، فيه حلاله وحرامه، وبيان الأمور التي قدر، فأمضاها على ما أحب العباد وكرهوا، فكان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، ثم أدخلت في الشورى عن غير علم ولا مسألة عن ملأ من الأمة ثم أجمع أهل الشورى عن ملأ منهم ومن الناس علي، على غير طلب مني ولا محبة، فعملت فيهم ما يعرفون ولا ينكرون تابعا غير مستتبع، متبعا غير مبتدع، مقتديا غير متكلف. فلما انتهت الأمور وانتكث الشر بأهله، بدت ضغائن وأهواء على غير إجرام ولا ترة فيما مضى إلا إمضاء الكتاب، فطلبوا أمرا وأعلنوا غيره بغير حجة ولا عذر، فعابوا علي أشياء مما كانوا يرضون، وأشياء عن ملأ من أهل المدينة لا يصلح غيرها، فصبرت لهم نفسي وكففتها عنهم منذ سنين وأنا أرى وأسمع، فازدادوا على الله عز وجل جرأة، حتى أغاروا علينا في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمه وأرض الهجرة، وثابت إليهم الأعراب، فهم كالأحزاب أيام