الزمن تطور الخلاف السياسي إلى خلاف مذهبي، وتغيرت مفاهيم المسلمين، وانقرض من الوجود ذلك الضمير الذي خلق المعجزات.
في حروف الجمل تعرض ضمير كل مسلم إلى صراع مرير، واختلط الامر على الناس، فمنهم من لزم جانب الحياد، وهؤلاء كانوا أكثر الناس راحة ضمير، ومنهم من موقف مع الإمام الشرعي علي كرم الله وجهه، وهؤلاء وإن كانوا أقرب إلى الصواب فسرعان ما انتشر الخلاف في صفوفهم، ومنهم من وقف إلى جانب عائشة وطلحة والزبير، وهؤلاء كانوا حتى في قياداتهم أكثر الفرقاء تعرضا لعذاب الضمير وتأرجحا في موقفهم، ولعل موقف الزبير، الذي سيرد مفصلا فيما بعد، أبرز مثال على صدق هذا الرأي.
و يجب أن لا يفوتنا هنا، أن الخلاف اقتصر على طريقة تطبيق الشرع ولم يتطرق إلى كنه الشريعة، بل لم يجرؤ أحد من الفريقين على تكفير الفريق الآخر، ورجا كل منهما الجنة لقتلاه ولمن نقى قلبه من قتلى الفريق الآخر.
لكن تلك الضمائر الحية ذهبت بذهاب أصحابها، وحول الحفدة الخلافات السياسية إلى مذاهب عقائدية فغدا الدين أديانا، ولم نعد نلمس ذلك الصراع في الضمائر بعد ذهاب تلك الطبقة من المسلمين، ولم تمض سنوات قليلة حتى تناول التغيير أهم جانب من جوانب الحياة، هو مفهوم الحكم في الاسلام، بعد ما كان على ذلك الطراز الرائع الذي لم تعرف البشرية له مثيلا إلا أيامهم هم، الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم أجمعين.
أحمد راتب عرموش