و قبل سرد الأمور التي أخذها الثائرون على عثمان لا بد لنا من الإشارة إلى أن العرب بطبيعتهم أكثر من غيرهم ميلا إلى التعلق بالأشخاص، لذلك هم يطلبون من " القائد " أكثر من غيرهم، بل وربما أكثر مما يستطيع انسان، بالإضافة إلى اندفاعهم. أحيانا كثيرة وراء عواطفهم بعيدا عن التعمق بالدراسة و تحكيم العقل. والعواطف تعطي إذا أحسن استثمارها، ولكن ما أسهل استغلالها أيضا... ومن سوء الحظ أن شاءت إرادة الله عز وجل أن يكون عثمان خليفة لرجلين لم تعرف البشرية لهما مثيلا. وبعد أن اعتاد المسلمون على حكم عمر و شخصية عمر ومن قبله أبي بكر... جاء عثمان.
كان جميع الصحابة يرهبون عمر ويخافونه، ومع ذلك فقد كان رضي الله عنه يحمل نفسه أكثر مما يحتمل بشر. لما جاع الناس عام الرمادة (18 ه) أقسم ألا يذوق سمنا ولا لبنا ولا لحما حتى تنتهي المجاعة ويشبع الناس... والتزم بذلك حتى انتهى القحط رغم تأثر صحته وانحرافها لدرجة أثارت إشفاق الناس عليه.. وجد خادمه في سوق المدينة، بعد انفراج الغمة، عكة سمن وقدر لبن، فاشتراهما وانطلق بهما إلى عمر، وقد رثي لحالته، وقال له: يا أمير المؤمنين قد أبر الله يمينك وعظم أجرك. وقد ورد المدينة عكة سمن وقدر لبن اشتريتهما بأربعين. فما ذا كان جواب عمر؟ قال عمر: أغليت بهما، فتصدق بهما، فاني أكره أن آكل إسرافا. وقال عمر: " كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسهم ".
تغير الخليفة ولم يتغير الشعب. فتصرفات عثمان لم تكن كذلك، في حين أن شخصيته لم تكن في مستوى شخصية عمر من ناحية القوة والرهبة. عمر يقسم أن لا يطعم السمن ما دام الناس جياعا وعثمان ينخل الدقيق... يضاف إلى ذلك