والثاني إقامة الشئ مقام الشئ في دفع المكاره. قاله أبو البقاء كما في قوله تعالى * (وفديناه بذبح عظيم) * أي أقمنا ذبحا عظيما مقام إسماعيل في دفع المكروه يعني الذبح عنه، فكان معنى الجملة أن الله يحفظك عن المكاره وجعلني قائما مقامك في دفعها عنك ويعرض لي ما يعرض لك من النوائب والمكاره في عوضك، وهذا المعنى هو الصريح في المقصود، تقول العرب فداك أبي وأمي أي أبي وأمي ينوبان منابك في دفع المكروه عنك. وأنشد الأصمعي للنابغة:
مهلا فداء لك الأقوام كلهم وما أثمر من مال ومن ولد أي الأقوام كلهم وجميع الأموال والأولاد ينوبون منابك في دفع المكاره عنك ويعرض لهم في عوضك ما يعرض لك من النوائب والمكاره وأنت تسلم وتحفظ منها.
وقد ترجم البخاري باب قول الرجل فداك أبي وأمي، وباب قول الرجل جعلني الله فداءك انتهى.
قال الحافظ: أي هل يباح أو يكره، وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز أبو بكر بن أبي عاصم وجزم بجواز ذلك فقال للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك، بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه، ولو كان ذلك محظورا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد في الترجمة. قال الطبراني: في هذه الأحاديث دليل على جواز قول ذلك انتهى.
(فقلت لبيك وسعد يك) يجئ معناه في باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك (وأنا فداك) وفي بعض النسخ فداؤك، وفي نسخة المنذري جعلني الله فداك مكان وأنا فداك. قال في مجمع البحار بكسر فاء وفتحها مدا وقصرا، وقال الحافظ في فتح الباري تحت قوله فاغفر فدى لك ما اقتفينا. قال المازري: لا يقال الله فداء لك لأنها كلمة تستعمل عند توقع مكروه لشخص فيختار شخص آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه، فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك، أو هذه الكلمة وقعت خطابا لسامع الكلام انتهى. وفي الحديث دليل جواز قول جعلني الله فداك أو أنا فداؤك. والحديث سكت عنه المنذري.