أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه، الحديث بطوله.
ففي هذا دلالة لكل من ثلاث الصور الباقية.
أما الثانية فلأن عمر رضي الله عنه صلى صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يظن بعمر رضي الله عنه أنه ترك تسليم اللقاء على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه)) الحديث ثم فارقه عمر رضي الله عنه إلى أن جاء المشربة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه، والاستئذان عبد لا يكون إلا مع التسليم كما تقدم عند المؤلف من حديث رجل من بني عامر، على أنه في قصة الاعتزال أيضا مصرح في رواية أبي داود أن عمر رضي الله عنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان ثم قال أيدخل عمر، فهذا التسليم تسليم الاستئذان بعد تسلم اللقاء وقت صلاة الصبح.
وأما الثالثة فلأن عمر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان فلم يؤذن له، فرجع، ثم جاء واستأذن، فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان ثانيا مع علمه بذلك.
وأما الرابعة فلأن عمر سلم عليه صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان أولا كما تدل عليه رواية المؤلف فلم يؤذن له فرجع، ثم جاء ثانيا واستأذن، فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان فإذا أذن له دخل عليه صلى الله عليه وسلم وسلم عليه تسليم اللقاء، ولا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف، وأحسن منه أن يقال إن عمر رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فاستأذن بواسطة غلام له أسود فقال في استئذانه: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر، وقد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرار على ما أخرجه الشيخان وغيرهما في حديث طويل، اختصر منه المؤلف هذا الحديث.
وقد دل هذا الحديث على طريق استئذان عمر وهو قوله: السلام عليك يا رسول الله إلى آخره، وهذا الطريق هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم قريبا في باب كيف الاستئذان من قوله السلام عليكم أأدخل، وقد ورد هذا الطريق في عدة أحاديث ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) * الآية، بل قد جاء الاكتفاء في الاستئذان على مجرد السلام أيضا كما تقدم في ثالث أبواب الاستئذان وبهذا يظهر المطابقة بين ترجمة الباب وبين حديث عمر رضي الله عنه إذ قد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرات، وقد ثبت أن الاستئذان لا بد فيه من التسليم أو هو التسليم، وأيما كان فقد سلم عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل لقاء بعد مفارقة ولو بواسطة وقد قرره النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت أن الرجل إذا فارق الرجل ثم لقيه سلم وهو مقصود الترجمة والله أعلم.