عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة ولا يمتنع في العقل أن يعبد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد ويعذبه وإذا لم يمنعه العقل وورد الشرع به وجب قبوله واعتقاده وقد ذكر مسلم هنا أحاديث كثيرة في اثبات عذاب القبر وسماع النبي صلى الله عليه وسلم صوت من يعذب فيه وسماع الموتى قرع نعال دافنيهم وكلامه صلى الله عليه وسلم لأهل القليب وقوله ما أنتم بأسمع منهم وسؤال الملكين الميت واقعادهما إياه وجوابه لهما والفسح له في قبره وعرض مقعده عليه بالغداة والعشي وسبق معظم شرح هذا في كتاب الصلاة وكتاب الجنائز والمقصود أن مذهب أهل السنة اثبات عذاب القبر كما ذكرنا خلافا للخوارج ومعظم المعتزلة وبعض المرجئة نفوا ذلك ثم المعذب عند أهل السنة الجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه وخالف فيه محمد بن جرير و عبد الله بن كرام وطائفة فقالوا لا يشترط إعادة الروح قال أصحابنا هذا فاسد لأن الألم والاحساس إنما يكون في الحي قال أصحابنا ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت اجزاؤه كما نشاهد في العادة أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك فكما أن الله تعالى يعيده للحشر وهو سبحانه وتعالى قادر على ذلك فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء وان أكلته السباع والحيتان فان قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر فالجواب أن ذلك غير ممتنع بل له نظر في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها وكذا يجد اليقظان لذة وألما لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه منه وكذا كان جبرئيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون وكل هذا ظاهر جلى قال أصحابنا وأما اقعاده المذكور في الحديث فيحتمل أن يكون مختصا بالمقبور دون المنبوذ ومن أكلته السباع والحيتان وأما ربه بالمطارق فلا يمتنع أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب والله أعلم قوله (مقعدك حتى يبعثك الله) هذا تنعيم
(٢٠١)