عناية الإمام مسلم بضبط اختلاف الرواة الحديث وذهب جماعات إلى أنه يجوز أن تقول فيما قرئ على الشيخ حدثنا وأخبرنا وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وآخرين من المتقدمين وهو مذهب البخاري وجماعة من المحدثين وهو مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز اطلاق حدثنا ولا أخبرنا في القراءة وهو مذهب ابن المبارك ويحيى ابن يحيى وأحمد بن حنبل والمشهور عن النسائي والله أعلم ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة كقوله حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان قال أو قالا حدثنا فلان وكما إذا كان بينهما اختلاف في حرف من متن الحديث أو صفة الراوي أو نسبه أو نحو ذلك فإنه يبينه وربما كان بعضه لا يتغير به معنى وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى ولكن كان خفيا لا يتفطن له الا ماهر في العلوم التي ذكرتها في أول الفصل مع اطلاع على دقائق الفقه ومذاهب الفقهاء وستري في هذا الشرح من فوائد ذلك ما تقر به عينيك إن شاء الله تعالى وينبغي أن ندقق النظر في فهم غرض مسلم من ذلك ومن ذلك تحريه في رواية صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة كقوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا توضأ أحدكم فليستنشق) الحديث وذلك لان الصحائف والاجزاء والكتب المشتملة على أحاديث باسناد واحد إذا اقتصر عند سماعها على ذكر الاسناد في أولها ولم يجدد عند كل حديث منها وأوراد انسان ممن سمع كذلك أن يفرد حديثنا منها غير الأول بالاسناد المذكور في أولها فهل يجوز له ذلك قال وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي الشافعي الامام في الحديث والفقه والأصول يجوز ذلك وهذا مذهب الأكثرين من العلماء لأن الجميع معطوف على الأول فالاسناد المذكور أولا في حكم المعاد في كل حديث وقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني الفقيه الشافعي الامام في علم الأصولين والفقه وغير ذلك لا يجوز ذلك فعلى هذا من سمع هكذا فطريقه أن يبين ذلك كما فعله مسلم فمسلم رحمه الله سلك هذا الطريق ورعا واحتياطا وتحريا واتقانا رضي الله عنه ومن ذلك تحريه في مثل قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعنى ابن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد فلم يستجز رضي الله عنه أن يقول سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد لكون لم يقع في روايته منسوبا فلو قاله منسوبا لكان مخبرا عن شيخه أنه أخبره بنسبه
(٢٢)