فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك إلى قوله تكونن من الممترين ولا يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم قد شك قط في شئ مما أنزل إليه فأما التطهير والتزكية والدعاء من الامام لصاحب الصدقة فان الفاعل فيها قد ينال ذلك كله بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيها وكل الثواب موعود على عمل بر كان في زمنه صلى الله عليه وسلم فإنه باق غير منقطع ويستحب للامام وعامل الصدقة أن يدعو للمصدق بالنماء والبركة في ماله ويرجى أن يستجيب الله ذلك ولا يخيب مسألته فإن قيل كيف تأولت أمر الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذهبت إليه وجعلتهم أهل بغى وهل إذا أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة وامتنعوا من أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغي قلنا لا فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرا باجماع المسلمين والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم إنما عذروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان منها قرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ ومنها أن القوم كانوا جهالا بأمور الدين وكان عهدهم بالاسلام قريبا فدخلتهم الشبهة فعذروا فأما اليوم وقد شاع دين الاسلام واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاص والعام واشترك فيه العالم والجاهل فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في انكارها وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام الا أن يكون رجلا حديث عهد بالاسلام ولا يعرف حدوده فإنه إذا أنكر شيئا منها جهلا به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه فأما ما كان الاجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها وأن القاتل عمدا لا يرث وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة قال الخطابي رحمه الله وإنما عرضت الشبهة لمن تأوله على الوجه الذي حكيناه عنه لكثرة ما دخله من الحذف في رواية أبي هريرة وذلك لأن القصد به لم يكن سياق الحديث على وجه وذكر القصة في كيفية الردة منهم وإنما قصد به حكاية ما جرى بين أبى بكر وعمر رضي الله عنهما وما تنازعاه في استباحة قتالهم ويشبه أن يكون أبو هريرة إنما لم يعن بذكر جميع القصة اعتمادا على معرفة المخاطبين بها إذ كانوا قد علموا كيفية القصة ويبين لك أن حديث أبي هريرة مختصر أن عبد الله
(٢٠٥)