أظهر واستدل به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والصوم والزكاة وتحريم الزنا ونحوها لكونه صلى الله عليه وسلم قال فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم ان عليهم فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم وهذا الاستدلال ضعيف فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون بالصلوات وغيرها في الدنيا والمطالبة في الدنيا لا تكون الا بعد الاسلام وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يزاد في عذابهم بسببها في الآخرة ولأنه صلى الله عليه وسلم رتب ذلك في الدعاء إلى الاسلام وبدأ بالأهم ألا تراه بدأ صلى الله عليه وسلم بالصلاة قبل الزكاة ولم يقل أحد أنه يصير مكلفا بالصلاة دون الزكاة والله أعلم ثم اعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهى عنه هذا قول المحققين والأكثرين وقيل ليسوا مخاطبين بها وقيل مخاطبون بالمنهى دون المأمور والله أعلم قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله هذا الذي وقع في حديث معاذ من ذكر بعض دعائم الاسلام دون بعض هو من تقصير الراوي كما بيناه فيما سبق من نظائره والله أعلم قوله (في الرواية الثانية حدثنا ابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله سكن مكة وفيها عبد ابن حميد هو الامام المعروف صاحب المسند يكنى أبا محمد قيل اسمه عبد الحميد وفيها أبو عاصم هو النبيل الضحاك بن مخلد قوله (عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا) هذا اللفظ يقتضى أن الحديث من مسند ابن عباس وكذلك الرواية التي بعده وأما الأولى فمن مسند معاذ ووجه الجمع بينهما أن يكون ابن عباس سمع الحديث من معاذ فرواه تارة عنه متصلا وتارة أرسله فلم يذكر معاذا وكلاهما صحيح كما قدمناه أن مرسل الصحابي إذا لم يعرف المحذوف يكون حجة فكيف وقد عرفناه في هذا الحديث أنه معاذ ويحتمل ان ابن عباس سمعه من معاذ وحضر القضية فتارة رواها بلا واسطة لحضوره إياها وتارة رواها عن معاذ اما لنسيانه الحضور واما لمعنى آخر والله أعلم
(١٩٨)