وقصصه، والحريري ومقاماته، وواضعي قصص عنترة وألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، إلى غيرها من آلاف القصص الأدبية والحكمية مما أبدع فيها القصاصون والأدباء في كل لسان، وخلقوا من خيالهم الخصب شخصيات وأبطالا لا وجود لها. وما المانع من أن يكون سيف كأحد هؤلاء؟ ولا غرابة في ذلك، وإنما الغرابة في اعتماد بعض المؤرخين على قصص سيف وترك غيرها من الروايات الصحيحة. على أنه لا غرابة في ذلك أيضا بعد أن عرفنا دافعه إلى ذلك.
وذكرت ثالثا ما ملخصه أن سيفا يؤرخ أحداثا على وجه التفصيل والبلاذري على وجه الاجمال، وشأنه في ذلك شأن فتوح مصر لابن عبد الحكم بالمقارنة إلى فتوح البلدان للبلاذري، والأول مخصص والثاني عام، والمخصص الذي يفصل يتعرض لذكر أسماء مغمورة فكيف يحمل عمل هذا على عمل ذاك؟
فأقول: وكيف يجوز قياس فتوح سيف بفتوح ابن عبد الحكم مع وجود الفارق البعيد بينهما؟ فبينما نرى أولا أن علماء الحديث وصفوا ابن عبد الحكم بقولهم لا بأس به، صدوق، ثقة، عالم بالتواريخ، إلى أمثال ذلك ولم يطعن فيه أحد، نجدهم يطعنون في سيف ورواياته وممن طعن فيه: ابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود والدارقطني، وابن عدي، وابن حبان، والبرقاني وابن عبد البر والذهبي، وابن حجر، والسيوطي، والفيروز آبادي، والزبيدي.
وثانيا: نرى البون في كتابيهما شاسعا، أما فتوح مصر فقد أرخ ابن عبد الحكم فيه ما يخص مصر قبل الاسلام وبعده. ولا يحاسب مؤرخو المسلمين عما دونوه من تواريخ قبل الاسلام لأنهم قد منوا بها من غيرهم