فان الوجدان الطبقي لهؤلاء ينزع بهم نحو التسلط وإظهار القوة، وحين يجري هذا الوجدان في غير أقنيته يصير خطرا على الرعية، لأنه يدفع صاحبه حينئذ إلى الانحراف والزيغ.
لأجل هذا يقرر الامام ان على الحاكم ألا يغفل عن تعقب هذه الطبقة ومراقبتها، فيلزمه بانتخاب رقباء من أهل الدين والمعرفة والأمانة يبثهم في أطراف البلاد، ويجعلهم عيونا له على عماله، يراقبونهم في أعمالهم، ويرصدون مبلغ ما يتمتع به هؤلاء الولاة من خبرة في الإدارة، وقدرة على التنظيم، ومعرفة بوجوه الاصلاح، ثم يرفعون ذلك كله إلى الحاكم فينكل بالمنحرف الذي خان أمانته، ويستأديه ما حاز لنفسه من أموال المسلمين، ويجعله عبرة لغيره.
ويشجع الصالح في نفسه، الصالح في عمله. ويرشد المخطئ إلى وجه الصواب.
إن هذا التدبير يمسك الوالي عن الاسراف، ويحمله على العدل في الرعية، لأنه حين يعلم أن ثمة عينا ترقب أفعاله يحذر من الخروج عن الجادة، ويحرص على اتباع ما يصلح بلاده. وهذا التدبير الذي نهجه الامام هو نظام التفتيش المعمول به الآن في الدول المعاصرة.
قال عليه السلام:
(.. ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والأمانة عليهم، فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة، ولرفق بالرعية.
وتحفظ من الأعوان، فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك اخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهدا. فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة).
عهد الأشتر