وصيانتها بأنفسهم. وهكذا، رويدا رويدا انقطعت الصلة بينهم وبين الرموز المعنوية التي يجب أن تقود حياتهم.
والسبيل إلى تلافي هذا الفساد كله هو إشعار الناس أن حكما صحيحا يهيمن عليهم، لتعود إلى الناس ثقتهم الزائلة بحكامهم.
ولكن شيئا كهذا لم يكن سهلا قريب المنال، فهناك طبقات ناشئة لا تسيغ مثل هذا، ولذلك فهي حرية أن تقف في وجه كل برنامج إصلاحي وكل محاولة تطهيرية، ولذلك أبى عليهم قبول الحكم، لأنه قدر - وقد أصاب - انه سيلاقي معارضة عنيفة من كل طبقة تجد صلاحها في أن يبقى الفساد على حاله.
لأجل هذا قال للجماهير يوم هرعت إليه تسأله أن يلي الحكم:
(دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول (1)، وإن الآفاق قد أغامت (2) والمحجة قد تنكرت (3)، واعلموا اني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا) (4).