ولم لا؟ ألم تصدر هذه الخطب والأقوال من رجل ركل الدنيا بقدمه، وخرج عنها، ودعا الناس إلى أن يركلوها بأقدامهم ويخرجوا عنها؟
هذه نظرة طائفة كبيرة من شباب الجيل إلى نهج البلاغة.
والأسلوب الوعظي الذي يتناول فيه كثير من الوعاظ في المساجد والمحافل مهمتهم يدعم نظرة ناشئة الجيل إلى نهج البلاغة ويعززها، فهم يتناولون مهمتهم على نحو خاطئ، لأنهم يعتمدون في وعظهم اعتمادا مطلقا على التنفير من الدنيا وعلى ذمها والتزهيد فيها واعتبارها أذى كبيرا يحول بين الانسان وبين أن يصبح إنسانا حقا، ويجدون في نهج البلاغة على الخصوص معينا لا ينضب من الشواهد على ما يقولون.
* * * إننا إذ نرجع إلى مبادئ الاسلام لنتعرف على وجهة نظره إلى الدنيا نجد هذه المبادئ تشجع الاقبال على الدنيا، وتحترم العمل، وتمجد العامل، وتعنى بنشاط الانسان الدنيوي كما تعنى بنشاطه الأخروي، يدل على ذلك ما شرعه الاسلام من قوانين تتناول جميع ألوان نشاطه الدنيوي.
والإمام عليه السلام هو أعظم أصحاب النبي (ص) فهما للاسلام ووعيا لاسراره فلا يعقل أن يقول شيئا يخالف روح الاسلام العامة ونظرته الشاملة إلى الانسان.
ولكننا نرجع إلى نهج البلاغة فنجده مكتظا بالتنفير من الدنيا، وردع الناس عنها.
فكيف نلائم بين ما نراه في نهج البلاغة، وبين ما نعرفه عن الإمام عليه السلام.
الذي أراه هو أن الوعاظ والناشئة جميعا راحوا ضحية خطأ كبير سبب لهم سوء الفهم وسوء التأويل لما جاء في نهج البلاغة من ذم الدنيا.