عن عاطفة تافهة مما اعتاد التافهون من الناس أن يكرسوا له البيان.. أن البيان في نهج البلاغة قد كرس لخدمة الانسان.
فلم يمجد الامام الأعظم في نهج البلاغة قوة الأقوياء، وإنما مجد نضال الضعفاء، ولم يمجد غنى الأغنياء، وإنما أعلن حقوق الفقراء، ولم يمجد الظالمين العتاة، وإنما مجد الأتقياء والصلحاء.
إن الحرية والعبودية، والغنى والفقر، والعدل والظلم، والجهل والعلم، والحرب والسلم، والنضال الأزلي في سبيل عالم أفضل لانسان أفضل، هو مدار الحديث في نهج البلاغة.
فنهج البلاغة كتاب انساني بكل ما لهذه الكلمة من مدلول: إنساني باحترامه للانسان وللحياة الانسانية، وانساني بما فيه من الاعتراف للانسان بحقوقه في عصر كان الفرد الانساني فيه عند الحاكمين هباءة حقيرة لا قيمة لها ولا قدر، إنساني بما يثيره في الانسان من حب الحياة والعمل لها في حدود تضمن لها سموها ونقاءها.
لهذا ولغيره كان نهج البلاغة، وسيبقى على الدهر أثرا من جملة ما يحويه التراث الانساني من الآثار القليلة التي تعشو إليها البصائر حين تكتنفها الظلمات.
وحق له أن يكون كذلك وهو عطاء انسان كان كونا من البطولات، ودنيا من الفضائل، ومثلا أعلى في كل ما يشرف الانسان.
* * * وهذه دراسات في نهج البلاغة قصدت من وضعها إلى أن أكشف عن ناحية ما فطن لها من كتبوا عن الإمام علي عليه السلام، وهي آراؤه في الاجتماع والاقتصاد والسياسة. فإن آراء الامام الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لم تلاق من الكتاب العناية التي تستحقها، وكأن البحث في نشاطه السياسي قد