ولئن كان القسم القليل منها محدودا بالمكان وحده.
فإن القسم الأقل، والأعظم قيمة، من الثقافة الانسانية لا يحده زمان ولا مكان.
هذه الآثار خالدة عند الناس كلهم لأنها لم توضع لفريق دون فريق، ولم يراع فيها شعب دون شعب، وإنما خوطب بها الانسان أنى وجد وكان.
ولأنها تلامس كل قلب، وتضمد كل جرح، وتكفكف كل دمعة، كانت ملكا للناس أجمعين، وكانت خالدة عند الناس أجمعين.
وهي قليلة، ولكنها لا تزال، على قلتها، تثير في الناس الدوافع الطيبة النبيلة، وتسمو بهم إلى أعلى، إلى ملاعب النور، كلما شدتهم عوامل الشر إلى التراب.
* * * ونهج البلاغة من هذه الآثار.
وسواء أنظرت إليه من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون وجدته من الآثار التي تقل نظائرها في التراث الانساني على ضخامة هذا التراث.
فقد قيل في بيان صاحبه انه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.
بيان معجز البلاغة، تتحول الأفكار فيه إلى أنغام، وتتحول الأنغام فيه إلى أفكار، ويلتقي عليه العقل والقلب، والعاطفة والفكرة، فإذا أنت من الفكرة أمام كائن حي، متحرك، ينبض بالحياة، ويمور بالحركة.
وتلك هي آية الاعجاز في كل بيان.
ولم يكرس هذا البيان المعجز لمديح سلطان، أو لاستجلاب نفع، أو للتعبير