يبخسوها حقها من البحث والتفكير.. حتى جاء ابن خلدون فسجل في (مقدمته) حدثا علميا عظيما بالنسبة إلى هذه الفكرة حين خطا الخطوة الأخيرة، فجعل منها علما قائما بنفسه يفترق عن الفلسفة في مادته وهي الحياة الاجتماعية، ويفترق عنها في منهجه وهو الملاحظة، ويفترق عنها في غايته وهي التعرف على أحسن الوسائل لتنمية الحياة الاجتماعية.
وجاء العصر الحديث، عصر الجماهير، فزادت أهمية هذه الفكرة، وحصلت على هبتها العظمى من أوغست كنت في الفلسفة الوضعية، وأصبح لها دوائر معارف خاصة هي دوائر المعارف الاجتماعية، وأصبح لها معاهد علمية خاصة لا تخلو منها جامعة تشرف عليها هيئات علمية تخصصت في هذا العلم: علم الاجتماع.
هذا عرض خاطف، وأرجو ألا يكون مقتضبا جدا، لمراحل تكون فكرة المجتمع وتبلورها.
وهنا تجئ لحظه التساؤل عن صلة نهج البلاغة بهذا كله؟
والجواب عن ذلك اننا أردنا ان نكشف عن أن نهج البلاغة لم يحظ بالالتفات الجدير به من هذه الناحية (1).
وسنرى بعد أن نعرف ما لفكرة المجتمع في نهج البلاغة من مكان مرموق بين ما اشتمل عليه من بحوث.
وبعد أن نعرف ان الامام قد تمرس بهذه الفكرة وعاناها كما لم يتمرس بها ولم يعانها حاكم في زمانه على الاطلاق.