فالحكم من ضرورات الاجتماع، لان النشاط الانساني - وقد تشابك بفعل الحياة الاجتماعية - لابد له من هيئة تشرف عليه وتنظمه، وتشق له القنوات، وتوجهه الوجهة الصحيحة المستقيمة، وبدون هذه الهيئة يتسيب هذا النشاط فيطغى لون منه على لون، ويتجه اتجاهات غير محمودة تؤول به في النهاية إلى الضمور، ومن ثم تنتهي بالمجتمع إلى الانحلال.
والحكومة في الأصل مؤسسة اجتماعية، لان طبيعة الاجتماع تقتضيها كما رأينا، ولكنها في الاسلام، تتخذ بالإضافة إلى صفتها الاجتماعية، طابعا دينيا أيضا وذلك لان المجتمع الاسلامي مجتمع ديني في الدرجة الأولى، أي أن الذي يستلهم في التنظيم: الاقتصادي والسياسي والعسكري هو الدين وحده.
وها هو الإمام عليه السلام يقرر هذه الحقيقة، رادا على الخوارج يوم نادوا (لا حكم إلا الله) قائلا:
(كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في امرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر) (1).
فقوله (انه لابد للناس من إمام..) تقرير لهذه الضرورة، التي يفرضها واقع الاجتماع الانساني، ولا معدى عنها بحال من الأحوال، ولئن كانت إمرة