قائم في مصلاه، فجلست بحذاء بابه، فما لبثت إلا يسيرا إذ خرج خادم له قال: ادخل على بركة الله، فدخلت وسلمت عليه، فرد علي السلام وقال:
اجلس غفر الله لك، فجلست، فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: أبو من؟
قلت: أبو عبد الله، قال: ثبت الله كنيتك ووفقك لمرضاته، قلت في نفسي: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم عليه غير هذا الدعاء لكان كثيرا، ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: يا أبا عبد الله ما حاجتك؟ قلت: سألت الله أن يعطف قلبك علي ويرزقني من علمك وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته.
فقال يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلم، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يبديه، فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسك حقيقة العبودية واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك، قلت: يا شريف، فقال:
قل يا أبا عبد الله، قلت يا أبا عبد الله ما حقيقة العبودية؟ قال: ثلاثة أشياء:
أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله إليه ملكا، لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله تعالى به ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله تعالى ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه، وإذا فوض العبد تدبير نفسه على مدبره هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاث هان عليه الدنيا وإبليس والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا، ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا، ولا يدع أيامه باطلا، فهذا أول درجة المتقين، قال الله تعالى: * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) * (1).