بدمه. ونال من علي بن أبي طالب عليه السلام ولعنه ولعن شيعته، فوثب حجر فنعر نعرة أسمعت كل من كان في المسجد وخارجه وقال: إنك لا تدري بمن تولع من هرمك أيها الانسان!
مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنك قد حبستها عنا ولم يكن ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين، وتقريظ المجرمين. فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنا لا ننتفع بقولك هذا ولا يجدي علينا شيئا. وأكثروا في مثل هذا القول، فنزل المغيرة فدخل القصر فاستأذن عليه قومه فأذن لهم فقالوا: علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة و يجتري عليك في سلطانك هذه الجرأة؟ فيوهن سلطانك، ويسخط عليك أمير المؤمنين معاوية، وكان أشدهم له قولا في أمر حجر والتعظيم عليه عبد الله بن أبي عقيل الثقفي، فقال لهم المغيرة: إني قد قتلته إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة، إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، ولا أحب أن ابتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك و أشقى، ويعز في الدنيا معاوية، ويذل يوم القيامة المغيرة.
ثم هلك المغيرة سنة 51 فجمعت الكوفة والبصرة لزياد (ابن سمية) فأقبل زياد حتى دخل القصر بالكوفة ووجه إلى حجر فجاءه، وكان له قبل ذلك صديقا فقال له:
قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك وإني والله لا أحتملك على مثل ذلك أبدا، أرأيت ما كنت تعرفني به من حب علي ووده، فإن الله قد سلخه من صدري فصيره بغضا وعداوة، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإن الله قد سلخه من صدري وحوله حبا ومؤدة، وإني أخوك الذي تعهد، إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك، ولك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة، وحاجة عشية، إنك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك، وإن تأخذ يمينا وشمالا تهلك نفسك، وتشط عندي دمك، إني لا أحب التنكيل قبل التقدمة، ولا آخذ بغير حجة، اللهم اشهد. فقال حجر: لن يرى الأمير مني إلا ما يحب وقد نصح وأنا قابل نصيحته. ثم خرج من عنده.