قال: إلهي إن كان لي عندك منزلة فائذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على حسب عادته حتى أعلم شرع محمد صلى الله عليه وسلم على الكمال ليحصل لي الطريقة والحقيقة، فنودي: أن اذهب إلى قبره وتعلم منه ما شئت فجاء الخضر وتعلم منه ما شاء كذلك إلى خمس وعشرين سنة أخرى حتى أتم الدلائل والأقاويل، ثم ناجى الخضر ربه وقال:
يا إلهي ماذا أصنع فنودي: أن اذهب إلى صعالك واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري إلى أن قال له: اذهب إلى البقعة الفلانية وعلم فلانا علم الشريعة ففعل الخضر عليه السلام ما أمر، ثم بعد مدة ظهر في مدينة ما وراء النهر شاب وكان اسمه أبا القاسم القشيري وكان يخدم أمه ويحترمها إلى أن قال: فأمر الله الخضر أن اذهب إلى القشيري وعلمه ما تعلمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه أرضى أمه فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال:
أنت أردت السفر لأجل طلب العلم وقد تركته لرضا أمك وقد أمرني الله تعالى أن أجئ إليك كل يوم على الدوام وأعلمك فكل يوم يجئ إليه الخضر حتى ثلاث سنين و علمه العلوم التي تعلم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة، حتى علمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتى صنف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه، فكان له مريد كبير متدين لا يفارق الشيخ فعد له الشيخ ألف كتاب من مصنفاته ووضعه في الصندوق وأعطى لذلك المريد وقال: قد بدا لي أمر فاذهب وارم هذا الصندوق في جيحون، فحمل المريد الصندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه: كيف أرى مصنفات الشيخ في الماء؟ لكن أذهب وأحفظ الكتب و أقول للشيخ: رميتها. وحفظ الكتب وجاء وقال للشيخ: رميت الصندوق في الماء: قال الشيخ: وما رأيت في تلك الساعة من العلامات؟ قال: ما رأيت شيئا قال الشيخ: اذهب وارم الصندوق. فذهب المريد إلى الصندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلى الشيخ مثل الأول وقال: رميته؟ قال: نعم قال: وما رأيت؟ قال: لم أر شيئا. قال الشيخ:
ما رميته فاذهب وارمه فإن لي فيها سرا مع الله ولا ترد أمري. فذهب المريد ورمى الصندوق فخرج من الماء يد وأخذ الصندوق قال المريد له من أنت؟ فنادى في الماء: إني وكلت أن أحفظ أمانة الشيخ، فرجع المريد وجاء إلى الشيخ فقال: رميت؟ قال: نعم.