عدم تنجز الحكم في الشبهات إذا كانت غير محصورة خارجا أكثر أطرافها من محل الابتلاء، ولعله كان يعلم ذلك لكن عمله هذا من حيله التي هو أخبر بها عن نفسه، قال أبو عاصم النبيل: رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي، وقد اجتمع الناس عليه وآذوه ، فقال: ما هاهنا أحد يأتينا بشرطي؟ فقلت: يا أبا حنيفة! تريد شرطيا؟ قال: نعم.
فقلت: اقرأ علي هذه الأحاديث التي معي، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذاءه فقال لي:
أين الشرطي؟ فقلت له: إنما قلت: تريد. لم أقل لك: أجئ به فقال: انظروا أنا أحتال للناس منذ كذا وكذا وقد احتال علي هذا الصبي (1).
أراد الإمام الأعظم بالقصة التظاهر بالورع ونصبها فخا لاصطياد الدهماء كقصته الأخرى المحرابية التي حكاها حفص بن عبد الرحمن قال: صليت خلفه فلما صلى وجلس في المحراب فقال له رجل: أيحل أن تصلي وفيه تصاوير؟ قال: أصلي فيه منذ خمس وأربعين سنة فما علمت إن فيه تصاوير، ثم أمر بالصور فطمست. وقال له رجل: ما أحسن سقف هذا المسجد؟ قال: ما رأيته وأنا فيه أكثر من أربعين سنة (2).
ولعل رأيه في الشاة مما يوقف القارئ على سر عدم دخول آرائه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله قال محمد بن مسلمة المديني وقيل له: إن رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلها ولم يدخل المدينة. قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: على كل ثقب من أثقابها ملك يمنع الدجال من دخولها. وكلام هذا من كلام الدجالين، فمن ثم لم يدخلها (3).
وفي فقه أبي حنيفة شذوذ تقصر عنها قصة الشاة، قد خالف فيها السنة الثابتة حتى قال وكيع بن الجراح (4): وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) غير أن عبد الله بن داود الحريبي المغالى في حب إمامه يقول: ينبغي للناس