ص 145، جمع أهل بيته وحشمه ومواليه وقال: لا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلما بيني وبينه. وفي لفظ البخاري: إني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه.
وتمسك في تقرير تلك البيعة الملعونة بما عزاه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قول:
إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان. جهلا منه بأساليب الكلام لما هو المعلوم من أن مصداق هذا الكلي هو الفرد المتأهل للبيعة الدينية بيع الله ورسوله، لا من هو بمنتأى عن الله سبحانه، وبمجنب عن رسوله، كيزيد الطاغية أو والده الباغي.
ومهما ننس من شئ فإنا لا ننسى مبدء البيعة ليزيد على عهد ابن آكلة الأكباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة مفاضة، أقعدت هاتيك من نفى جدارة الخلافة عن يزيد، وأثارت هذه سماسرة الشهوات، فبايعوا بين صدور واغرة، وأفئدة لا ترى ما تأتي به من البيعة إلا هزوا.
وفي لهوات الفضاء وأطراف المفاوز كل فار بدينه متعوذين من معرة هذه البيعة الغاشمة، وكان عبد الله نفسه ممن تأبى عن البيعة (1) لأول وهلة من قبل أن يتذوق طعم هاتيك الرضيخة، - مائة ألف - وكان يقول: إن هذه الخلافة ليست بهرقلية ولا قيصرية ولا كسروية يتوارثها الأبناء على الآباء (2) وبعد أن تذوقه كان لم يزل بين اثنتين: فضيحة العدول عن رأيه في يزيد، ومغبة التمرد عليه، لا سيما بعد أخذ المنحة، فلم يبرح مصانعا حتى بايعه بعد أبيه، ولما جاءت بيعته قال: إن كان خيرا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا (3) ونحت لذلك التريث حجة تافهة من أن المانع عن البيعة كان هو وجود أبيه.
وكان ليزيد أن يناقشه الحساب بأن أباه لم يكن يأخذ البيعة له في عرض بيعته، وإنما أخذها طولية لما بعده، لكنه لم يناقشه لحصول الغاية.