وأرضاه إلا إمام هدى، ولكنه ابتلى وابتلي به، ومضي لسبيله حميدا، وهلك به من هلك، هذا يغلو في حبه أو دعوى حبه لغرض له، أعظمهم ضلالا من رفعه على الأنبياء أو زاد على ذلك، وأدناهم من لم يرض له بما رضى لنفسه لتقديم إخوانه وأخدانه عليه في الإمارة، رضي الله عنهم أجمعين.
وآخر يحط من قدره الرفيع، أبعدهم ضلالا الخوارج الذين يلعنونه على المنابر، ويرضون على ابن ملجم شقي هذه الأمة، وكذلك المروانية، وقد قطع الله دابرهم، وأقربهم ضلالا الذين خطأوه في حرب الناكثين، والله سبحانه يقول: فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله. فإن لم تصدق هذه في أمير المؤمنين ففي من تصدق؟
مع أنهم بغوا بغيا محققا بعد استقرار الأمر له، ولا عذر لهم، ولا شبهة إلا الطلب بدم عثمان، وقد أجاب رضي الله عنه بما هو جواب الشريعة فقال: يحضر وارث عثمان ويدعي ما شاء، واحكم بينهم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أو كما قال فإن تصح هذه الرواية، وإلا فهي معلومة من حاله بل من حال من هو أدنى الناس من المتمسكين بالشريعة، وأما أنه يقطع قطيعا من غوغاء المسلمين الذين اجتمعوا على عثمان خمسمائة وأكثر، بل قيل: إنهم يبلغون نحو عشرة آلاف كما حكاه ابن حجر في الصواعق، فيقتلهم عن بكرة أبيهم، والقاتل واحد، أربعة، عشرة، قيل: هما اثنان فقط. وذكره في الصواعق أيضا، فهذا ما يعتذر به عاقل، ولكن كانت الدعوى باطلة والعلة باطلة، خلا أن طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم ومن يلحق بهم من تلك الدرجة التي يقدر قدرها من الصحابة، لا يشك عاقل في شبهة غلطوا فيها، ولو بالتأويل لصلاح مقاصدهم.
وأما معاوية والخوارج فمقاصدهم بينة، فإن لم يقاتلهم علي فمن يقاتل؟ أما الخوارج فلا يرتاب في ضلالهم إلا ضال، وأما معاوية فطالب ملك، اقتحم فيه كل داهية، وختمها بالبيعة ليزيد، فالذي يزعم أنه اجتهد فأخطأ، لا نقول: اجتهد وأخطأ.
لكنه إما جاهل لحقيقة الحال مقلد، وإما ضال اتبع هواه، اللهم إنا نشهد بذلك.
ورأيت لبعض متأخري الطبريين في مكة رسالة ذكر فيها كلاما عزاه لابن عساكر وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن معاوية سيلي أمر الأمة، وأنه لن يغلب، وأن عليا