لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له: اقعد حتى تسمع جواب ما قلت، ما كنت عندي قط ألأم منك الآن، فهلا نصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فإني لو سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعلي ما عشت، فقال سعد:
والله إني لأحق بموضعك منك. فقال معاوية: يأبى عليك بنو عذرة. وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة. (1) وفي رواية ذكرها ابن كثير في تاريخه 8: 77: دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية فقال له: مالك لم تقاتل عليا؟ فقال: إني مرت بي ريح مظلمة فقلت: أخ أخ، فأنخت راحلتي حتى انجلت عني، ثم عرفت الطريق فسرت. فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ أخ، ولكن قال الله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله. فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية، فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي. فقال معاوية: من سمع هذا معك؟ فقال: فلان وفلان وأم سلمة. فقال معاوية: أما إني لو سمعته منه صلى الله عليه وسلم لما قاتلت عليا.
قال: وفي رواية من وجه آخر: إن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية وإنهما قاما إلى أم سلمة فسألاه فحدثتهما بما حدث به سعد فقال معاوية:
لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادما لعلي حتى يموت أو أموت.
قال الأميني: لقد أفك معاوية في ادعائه عدم إحاطة علمه بتلكم الأحاديث المطردة الشايعة فإنها لم تكن من الأسرار التي لا يطلع عليها إلا البطانة والخاصة، وإنما هتف بهن صلى الله عليه وآله على رؤس الأشهاد، أما حديث الراية فكان في واقعة خيبر وله موقعيته الكبرى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. الحديث.
فاستطالت أعناق كل فريق * ليروا أي ماجد يعطاها؟
فلم تزل النفوس مشرئبة متتلعة إلى من عناه صلى الله عليه وآله حتى جيئ بأمير المؤمنين عليه السلام ومنح الفتح من ساحة النبوة العظمى، فانطبق القول، وصدقت الأكرومة، وعلم الغزاة