فيها ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبي سرح قراءته فسأل عنه، فقيل: رجل أبيض وضئ الوجه. فأمر إذا صلى أن يؤتى به فلما رآه قال: ما جاء بك إلى بلدي؟
قال: جئت غازيا، قال: ومن معك؟ قال: محمد بن أبي بكر. فقال: والله ما جئتما إلا لتفسدا الناس، وأمر بهما فسجنا، فأرسلا إلى محمد بن طلحة يسألانه أن يكلمه فيهما لئلا يمنعهما من الغزو، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح إفريقية فأعد لهما سفينة مفردة لئلا يفسد عليه الناس، فمرض ابن أبي بكر فتخلف وتخلف معه ابن أبي حذيفة، ثم إنهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلا وقد أوغرا صدور الناس على عثمان فلما وافى ابن أبي سرح مصر وافاه كتاب عثمان بالمصير إليه، فشخص إلى المدينة وخلف على مصر رجلا كان هواه مع ابن أبي بكر وابن أبي حذيفة، فكان ممن شايعهم وشجعهم على المسير إلى عثمان.
قالوا: وبعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبحمل عليه كسوة فأمر فوضع في المسجد وقال: يا معشر المسلمين! ألا ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني و يرشوني عليه؟ فازداد أهل مصر عيبا لعثمان وطعنا عليه، واجتمعوا إلى ابن أبي حذيفة فرأسوه عليهم، فلما بلغ عثمان ذلك دعا بعمار بن ياسر فاعتذر إليه مما فعل به واستغفر الله منه وسأله أن لا يحقده عليه، وقال: بحسبك من سلامتي لك ثقتي بك، وسأله الشخوص إلى مصر ليأتيه بصحة خبر ابن أبي حذيفة، وحق ما بلغه عنه من باطله، وأمره أن يقوم بعذره، ويضمن عنه العتبي لمن قدم عليه، فلما ورد عمار مصر (1) حرض الناس على عثمان ودهاهم إلى خلعه، وأشعلها عليه، وقوى رأي ابن أبي حذيفة وابن أبي بكر وشجعهما على المسير إلى المدينة، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان يعلمه ما كان من عمار، ويستأذنه في عقوبته، فكتب إليه: بئس الرأي رأيت يا ابن أبي سرح فأحسن جهاز عمار واحمله إلي، فتحرك أهل مصر وقالوا: سير عمار، ودب فيهم ابن أبي حذيفة ودعاهم إلى المسير فأجابوه (2).
وذكر أبو عمر الكندي في أمراء مصر: إن عبد الله بن سعد أمير مصر كان توجه