غنائم البر والاحسان، وجللنا بنعمتك ملابس العفو والغفران، واصحب رغباتنا بحياء يقطعها عن الشهوات، واحش قلوبنا نورا يمنعها من الشبهات، وأودع نفوسنا خوف المشفقين من سوء الحساب، ورجاء الواثقين بتوفير الثواب، فلا نغتر بالامهال (1)، ولا نقصر في صالح الأعمال، ولا نفتر من التسبيح بحمدك في الغدو والآصال.
يامن آنس العارفين بطيب مناجاته، وألبس الخاطئين ثوب موالاته، متى فرح من قصدت سواك همته، ومتى استراح من أرادت غيرك عزيمته، ومن ذا الذي قصدك بصدق الإرادة فلم تشفعه في مراده، أم من ذا الذي اعتمد عليك في أمره فلم تجد باسعاده، أم من ذا الذي استرشدك فلم تمنن بارشاده.
اللهم عبدك الضعيف الفقير ومسكينك اللهيف المستجير، عالم أن في قبضتك أزمة التدبير، ومصادر المقادير عن إرادتك، وأنك (2) أقمت بقدسك حياة كل شئ، وجعلته نجاة لكل حي، فارزقه من حلاوة مصافاتك ما يصير به إلى مرضاتك وهب له من خشوع التذلل وخضوع التقلل (3) في رهبة الاخبات، وسلامة المحيا والممات، ما تحضره كفاية المتوكلين، وتميزه به رعاية المكفولين، وتعزه ولاية المتصلين المقبولين.
يا من هو أبر بي من الوالد الشفيق، وأقرب إلي من الصاحب اللزيق (4) أنت موضع أنسي في الخلوة إذا أوحشني المكان، ولفظتني الأوطان، وفارقتني الآلاف والجيران، وانفردت في محل ضنك، قصير السمك، ضيق الضريح، مطبق الصفيح، مهول منظره، ثقيل مدره، مخلاة (5) بالوحشة عرصته، مغشاة بالظلمة ساحته، على غير مهاد ولا وساد، ولا تقدمة زاد ولا اعتداد، فتداركني برحمتك التي