وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله خبر منصوص مجمع عليه أن الأدلة المنصوبة على بيت الله الحرام لا يذهب بكليتها بحادثة من الحوادث منا من الله عز وجل على عباده في إقامة ما افترضه عليهم.
وزعمت طائفة ممن يقول بالاجتهاد أنه إذا أشكل عليه من جهة حتى يستوي عنده الجهات كلها، تحرى واتبع اجتهاده حيث بلغ به، فان ذلك جائز بزعمهم وإن كان لم يصب وجه حقيقة القبلة، وزعموا أيضا أنه إذا كان على هذا السبيل مائة رجل لم يجز لاحد منهم أن يتبع اجتهاد الآخر، فهم بهذه الأقوال ينقضون أصل اعتقادهم.
وزعموا أن الضرير والمكفوف له أن يقتدي بأحد هؤلاء المجتهدين، فله أن ينتقل عن قول الأول منهم إلى قول الآخر، فجعلوا مع اجتهادهم كمن لم يجتهد، فلم يؤول بهم الاجتهاد، إلا إلى حال الضلال، والانتقال من حال إلى حال فأي دين أبدع وأي قول أشنع من هذه المقالة أو أبين عجزا ممن يظن أنه من أهل الاسلام، وهو على مثل هذا الحال، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى واتباع الهوى، وإياه نستعين على ما يقرب منه، إنه سميع مجيب (1).
أقول: وجدت رسالة قديمة مفتتحها هكذا: حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه القمي رحمه الله قال: حدثني سعد الأشعري القمي أبو القاسم رحمه الله وهو مصنفه الحمد لله ذي النعماء والآلاء، والمجد والعز والكبرياء، وصلى الله على محمد سيد الأنبياء، وعلى آله البررة الأتقياء، روى مشايخنا عن أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف: أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل.
وساق الحديث إلى آخره لكنه، غير الترتيب، وفرقه على الأبواب، وزاد فيما بين ذلك بعض الأخبار (2).