الأصل أن يكون حرم لمصلحة الخلق، أو لمعنى في نفسه خاص، فإن كان حرم لمعنى في نفسه خاص فقد كان قبل ذلك حلالا ثم حرم بعد ذلك لمعنى فيه، بل لو كان العلة المعنى لم يكن التحريم له أولى من التحليل، ولما فسد هذا الوجه من دعواهم، علمنا أنه لمعنى أن الله تعالى إنما حرم الأشياء لمصلحة الخلق، لا للعلة التي فيها، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد، لان الحق عندنا مما قدمناه ذكره من الأصول التي نصبها الله تعالى، والدلائل التي أقامها لنا، كالكتاب والسنة والامام الحجة، ولن يخلو الخلق عندنا من أحد هذه الأربعة وجوه التي ذكرناها وما خالفها فباطل.
وأما اعتلالهم بما اعتلوا به من شطر المسجد الحرام والبيت فمستحيل بين الخطأ، لان معنى " شطره " نحوه، فبطل الاجتهاد فيه، وزعموا أن على الذي لم يهتد إلى الأدلة والاعلام المنصوصة للقبلة أن يستعمل رأيه حتى يصيب بغاية اجتهاده، ولم يقولوا حتى يصيب نحو توجهه إليه.
وقد قال الله عز وجل: " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " يعني تعالى على نصب من العلامات والأدلة، وهي التي نص على حكمها بذكر العلامات والنجوم في ظاهر الآية، ثم قال تعالى: " وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربك " ولم يقل وإن الذين اضطروا إلى الاجتهاد.
فدل على أن الله تعالى أوجب عليهم استعمال الدليل في التوجه، وعند الاشتباه عليهم، لإصابة الحق، فمعنى شطره نحوه يعني تعالى نحو علاماته المنصوصة عليه، ومعنى شطره نحوه إن كان مرئيا، وبالدلائل والاعلام، إن كان محجوبا فلو علمت القبلة الواجب استقبالها والتولي والتوجه إليها ولم يكن الدليل عليها موجودا حتى استوى الجهات كلها، له حينئذ أن يصلي بحال اجتهاد، وحيث أحب واختار، حتى يكون على يقين من بيان الأدلة المنصوبة والعلامات المبثوثة، فان مال عن هذا الموضع ما ذكرناه حتى يجعل الشرق غربا والغرب شرقا زال معنى اجتهاده، وفسد اعتقاده.