فمعنى الضلالة على وجوه فمنه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، ومنه ما ليس بمحمود ولا مذموم، ومنه ضلال النسيان، فالضلال المحمود هو المنسوب إلى الله تعالى وقد بيناه، والمذموم هو قوله تعالى: " وأضلهم السامري " (1) وقوله:
" وأضل فرعون قومه وما هدى " (2) ومثل ذلك في القرآن كثير، وأما الضلال المنسوب إلى الأصنام فقوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس " (3) الآية، والأصنام لم تضلن أحدا على الحقيقة وإنما ضل الناس بها وكفروا حين عبدوها من دون الله عز وجل.
وأما الضلال الذي هو النسيان، فهو قوله تعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحديهما فتذكر إحديهما الأخرى " (4).
وقد ذكر الله تعالى الضلال في مواضع من كتابه فمنه ما نسبه إلى نبيه على ظاهر اللفظ كقوله سبحانه " ووجدك ضالا فهدى " (5) معناه وجدناك في قوم لا يعرفون نبوتك فهديناهم بك.
وأما الضلال المنسوب إلى الله تعالى الذي هو ضد الهدى، والهدى هو البيان، وهو معنى قوله سبحانه " أو لهم يهد لهم " (6) معناه أي ألم أبين لهم مثل قوله سبحانه " فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " (7) أي بينا لهم.
وجه آخر وهو قوله تعالى: " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون " (8) وأما معنى الهدى فقوله عز وجل: " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " (9) ومعنى الهادي ههنا المبين لما جاء به المنذر من عند الله