ما أحل الله لكم " (1) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى.
وأما الذي تأويله قبل تنزيله فمثل قوله تعالى في الأمور التي حدثت في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله مما لم يكن الله أنزل فيها حكما مشروحا، ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وآله فيها شئ ولا عرف ما وجب فيها، مثل ذلك من اليهود من بني قريظة والنضير، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة كان بها ثلاث بطون من اليهود من بني هارون منهم بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو القينقاع فلما دخلت الأوس والخزرج في الاسلام، جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد قد أحببنا أن نهادنك إلى أن نرى ما يصير إليه أمرك، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله تكرما وكتب لهم كتابا أنه قد هادنهم وأقرهم على دينهم لا يتعرض لهم وأصحابهم بأذية، وضمنوهم عن نفوسهم أنهم لا يكيدونه بوجه من الوجوه، ولا لاحد من أصحابه.
وكانت الأوس حلفاء بني قريظة، والخزرج حلفاء بني النضير، وبنو النضير أكثر عددا من بني قريظة وأكثر أموالا، وكانت عدتهم ألف مقاتل، وكانت عدد بني قريظة مائة مقاتل، وكان إذا وقع بينهم قتل لم يرض بنو النضير أن يكون قتل بقتيل، بل يقولون نحن أشرف وأكثر وأقوى وأعز.
ثم اتفقوا بعد ذلك أن يكتبوا بينهم كتابا شرطوا فيه: أيما رجل من بني النضير قتل رجلا من بني قريظة دفع نصف الدية، وحمم وجهه - ومعنى حمم وجهه سخم وجهه بالسواد - ومعناه حمم بالفحم - ويقعد على حمار ويحول وجهه إلى ذنب الحمار، ونودي عليه في الحي وأيما رجل من بني قريظة قتل رجلا من بني النضير كان عليه الدية الكاملة، وقتل القاتل مع رفع الدية.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، ودخل الأوس والخزرج في دين الاسلام، وثب رجل من بني قريظة على رجل من بني النضير فبعث بنو النضير إلى بني قريظة ابعثوا لنا بقاتل صاحبنا لنقتله، وابعثوا إلينا بالدية، فامتنعوا من ذلك وقالوا: ليس هذا حكم الله في التوراة وإنما هذا حكم ابتدعتموه وليس لكم علينا