إلى بيت المقدس جميع أيام مقامه بمكة، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر فعيرته اليهود وقالوا: أنت تابع لقبلتنا، فأحزن رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك منه فأنزل الله تعالى عليه وهو يقلب وجهه في السماء وينتظر الامر " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة " (1) يعني اليهود في هذا الموضع.
ثم أخبرنا الله عز وجل ما العلة التي من أجلها لم يحول قبلته من أول مبعثه، فقال تبارك وتعالى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم " (2) فسمى سبحانه الصلاة ههنا إيمانا، وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق كما لا يشبه أفعاله أفعالهم، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى وتأويله إلا نبيه صلى الله عليه وآله وأوصياؤه.
ومن ذلك (*) ما كان مثبتا في التوراة من الفرائض في القصاص، وهو قوله:
" وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين " (3) إلى آخر الآية فكان الذكر والأنثى والحر والعبد شرعا سواء فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله:
" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " (4) فنسخت هذه الآية " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ".
ومن ذلك (*) أيضا آصار غليظة كانت على بني إسرائيل في الفرائض، فوضع الله تعالى تلك الآصار عنهم، وعن هذه الأمة، فقال سبحانه " ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم " (5).