أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " (1).
وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ونبذوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وراء ظهورهم، والمحكم مما ذكرته في الاقسام مما تأويله في تنزيله من تحليل ما أحل الله سبحانه في كتابه، وتحريم ما حرم الله من المآكل والمشارب والمناكح.
ومنه ما فرض الله عز وجل من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ومما دلهم به مما لا غنا بهم عنه في جميع تصرفاتهم مثل قول تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " (2) الآية وهذا من المحكم الذي تأويله في تنزيله لا يحتاج في تأويله إلى أكثر من التنزيل ومنه قوله عز وجل: " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به " (3) فتأويله في تنزيله.
ومنه قوله تعالى: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم " (4) إلى آخر الآية فهذا كله محكم لم ينسخه شئ قد استغني بتنزيله من تأويله، وكل ما يجري هذا المجرى.
ثم سألوه عليه السلام عن المتشابه من القرآن فقال: وأما المتشابه من القرآن فهو الذي انحرف منه منتفق اللفظ مختلف المعنى، مثل قوله عز وجل: " يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء " (5) فنسب الضلالة إلى نفسه في هذا الموضع، وهذا ضلالهم عن طريق الجنة بفعلهم، ونسبه إلى الكفار في موضع آخر ونسبه إلى الأصنام في آية أخرى.