مشتملا على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، لم يسقط منه حرف ألف ولا لام، فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وأن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه، قالوا: لا حاجة لنا فيه، ونحن مستغنون عنه بما عندنا، ولذلك قال: " فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " (1).
ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم، وما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم وتقريبهم وتركوا منه ما قدروا أنه لهم، وهو عليهم، وزادوا تناكره وتنافره.
وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين، فقال: " ذلك مبلغهم من العلم " (2) وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم، والذي بدا في الكتاب من الازراء على النبي صلى الله عليه وآله من فرية الملحدين، ولذلك قال جل ذكره: " يقولون منكرا من القول وزورا " (3).
فيذكر لنبيه صلى الله عليه وآله من ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته " (4) يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومهم وعقوقهم، والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلا ألقى الشيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين، فلا تقبله ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين