لانظار أهل هذه الدار، ولان الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض.
فكان النبي صلى الله عليه وآله فيهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه، سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة، وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي كانت نبيهم يتوعدهم بها، ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم، من خسف أو قذف أو زجر (1) أو ريح أو زلزلة أو غير ذلك من أصناف العذاب، التي هلكت بها الأمم الخالية وإن الله علم من نبينا ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح، وأثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه: " من كنت مولاه فهذا مولاه " " وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
وليس من خليقة النبي ولا من شيمته أن يقول قولا لا معنى له، فيلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوة والاخوة موجودتين في خلقة هارون، ومعدومتين فيمن جعله النبي صلى الله عليه وآله بمنزلته، أنه قد استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون حيث قال: " اخلفني في قومي " (2) ولو قال لهم: لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه، وإلا نزل بكم العذاب لأتاهم العذاب الأليم، وزال باب الانظار والامهال.
وبما أمر بسد باب الجمع وترك بابه، ثم قال: ما سددت ولا تركت ولكنني أمرت فأطعت، فقالوا: سددت بابنا وتركت لأحدثنا سنا، فأما ما ذكروه من حداثة سنه فان الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى أن يعهد الوصية إليه، وهو في سن ابن سبع سنين، ولا استصغر يحيى وعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته وإنما فعل ذلك جل ذكره لعلمه بعاقبة الأمور، وأن وصيه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا.
وبأن عمد النبي صلى الله عليه وآله إلى سورة براءة فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيه، وأمره بقراءتها على أهل مكة، فلما ولى من بين أيديهم أتبعه بوصيه، وأمره بارتجاعها منه، والنفوذ إلى مكة ليقرأها على أهلها وقال: