عليها خلود النار.
وأما قوله: " إنما أعظكم بواحدة " (1) فان الله جل ذكره أنزل عزائم الشرايع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق، ولكنه جعل الأناة والمداراة مثالا لامنائه، وإيجابا للحجة على خلقه، فكان أول ما قيدهم به الاقرار بالوحدانية والربوبية، والشهادة بأن لا إله إلا الله.
فلما أقروا بذلك، تلاه بالاقرار لنبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة، والشهادة له بالرسالة، فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة، ثم الصوم، ثم الحج، ثم الجهاد، ثم الزكاة، ثم الصدقات، وما يجري مجراها من مال الفئ.
فقال المنافقون: هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضته علينا شئ آخر يفترضه؟
فتذكره لتسكن أنفسنا أنه لم يبق غيره، فأنزل الله في ذلك " قل إنما أعظكم بواحدة " يعني الولاية فأنزل " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (2) وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل واحد لو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما اسقط من ذكره، وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب، ليجهل معناه المحرفون، فيبلغ إليك وإلى أمثالك وعند ذلك قال الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " (3).
وأما قوله لنبيه صلى الله عليه وآله: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " (4) فإنك ترى أهل الملل المخالفة للايمان، ومن يجري مجراهم من الكفار، مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية، وأنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير، فان الله تبارك وتعالى اسمه إنما يعني بذلك أنه جعله سبيلا