بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٦ - الصفحة ٢٤٥
بصره تبصيرا أي جعله بصيرا وعرفه، والمعتبر أيضا يحتمل المكان والمصدر، و الاعتبار الاتعاظ، والخلف بالتحريك كل من يجئ بعد من مضى، وكذا بالسكون إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالتسكين في الشر، وفي المقام أعم، والاخلاف جمعه.
﴿وحرام على قرية أهلكناها﴾ (1) أي ممتنع على أهل قرية حكمنا باهلاكها

(١) الأنبياء: ٩٥، والمراد بالحرام في لغة العرب ما نعبر عنه بالفارسية غدغن ومعناه العزيمة المؤكدة كالتي يصدر من الملوك والحكام في الأمور الاجتماعية ونظام المجتمع إذا كانت ذات أهمية خاصة، فيهدد ناقض تلك العزيمة والهاتك لهذه الحرمة بأشد النكال والنقمة.
وتلك العزيمة قد يكون في أمر يجب اتيانه وقد يكون في أمر يجب الانتهاء عنه، يستفاد ذلك بالقرائن اللفظية والحالية المقامية، كما قال عز وجل: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم: ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من أملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا ما اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط - لا نكلف نفسا الا وسعها - وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (الانعام:
(١٥١ - ١٥٢).
فقد عزم الله عز وجل في هذه الأمور وبعضها فعل وبعضها ترك فعل وقد ورد بذلك آيات كثيرة في القرآن الكريم وعلى ذلك قول الخنساء:
وان حراما لا أرى الدهر باكيا * على شجوة الا بكيت على صخر فعلى هذا يكون معنى قوله عز وجل: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) واضحا لا ريب فيه، يعنى أننا عزمنا عزيمة مؤكدة مولوية على القرى التي نستأصل أهلها بالعذاب والنقمة أنهم لا يرجعون إلى الحياة الدنيا في الرجعة، فتفيد الآية بمفهومها أن غيرهم قد يرجع إلى الدنيا كما تعتقده الشيعة الإمامية تبعا لائمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام والتحية والاكرام.
ولعل الوجه في ذلك أن الله عز وجل إنما خلق الموت والحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وقد لا يتهيأ في نظام الخلقة وخصوصا في أدوار الفترة بلاؤهم وفتنتهم بحيث يظهر سرائرهم وتتم الحجة عليهم (فيقضى عليهم اما بالنار أو الجنة قضاء حتم) أو يحول بين بلائهم الموت المقدر لهم من دون أن يكون ذلك نقمة عليهم واستئصالا لهم، فلا من رجوعهم إلى الحياة الدنيا ليتم بلاؤهم، على ما ورد بذلك روايات أهل البيت عليهم السلام.
ولعل ما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام أن تمام الرجعة أو جلها ومعظمها إنما تكون بعد ظهور دولة الحق بظهور المهدى المنتظر عليه الصلاة والسلام - حيث يكون الجو صالحا لاعمال الخير، ودعائم الشيطان والطغيان منكسرة بالعكس من أيامنا هذه - إنما هو لئلا يعذر معتذرهم يوم القيامة أنه قد عاقه عن الخير والعمل الصالح ما كان مسلطا على جوه مع الطغيان ووساوس الشيطان، أو يدعى مدعيهم بأن ولادته في البيت الفلاني الغاشم الظالم أو مجتمع الشرك والضلال وبيئة الفحشاء والفساد هو الذي أخذ بناصيته إلى الكفر والعصيان، ولذلك يحكى القرآن العزيز عنهم: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل).
وأما إذا كان في عمل الانسان الواحد أو القوم والمجتمع ما يسجل عليه أو عليهم البوار والنار قضاء حتم كالذي يستعجل بالشر ويباهل النبي أو يقترح عليه أن يأتي بآية كذا وكذا فيؤتاه ولا يؤمن به عنادا، أو يقتل نفسه دفعا للبلاء الذي توجه إليه وغير ذلك من الموارد التي لا مجال للبحث عنها، فحينئذ يتم بلواؤه ويظهر سريرته ويحتم عليه بالهلاك وإذا أهلكه الله عز وجل بعذاب نازل إليه أو إليهم لا يبقى مجال لإقالتهم عن البلوى الأولى، وارجاعهم إلى دار الامتحان مجددا وهو واضح.
وأما قوله عز وجل: (حتى أما إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت. كلا! انها كلمة هو قائلها. ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (المؤمنون: 100) فلا ينافي الرجعة أبدا كما أنه لا ينافي قوله عز وجل: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) وغير ذلك من الآيات التي تنص على أن هناك موتين وحياتين.
وذلك لان الآية نزلت في جمع خاص من معاندي النبي صلى الله عليه وآله وقد حتم عليهم بالنار قضاء حتم، حيث يقول عز وجل قبلها (قل رب اما تريني ما يوعدون * رب فلا تجعلني في القوم الظالمين * وانا على أن نريك ما نعدهم لقادرون.... حتى أما إذا جاء أحدهم الموت) الآية.
فعلى هذا عدم رجوع هذه الجماعة من المعاندين الذين وعد النبي صلى الله عليه وآله اهلاكهم، وهم الذين أهلكهم الله ببدر، إنما كان طبقا لحكم هذه الآية الكريمة: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) ولا منافاة بينهما وهو واضح.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * أبواب القصر وأسبابه واحكامه * * الباب الأول * وجوب قصر الصلاة في السفر وعلله وشرائطه وأحكامه وفيه: آية، و: أحاديث 1
3 تفسير قوله تبارك وتعالى: " وإذا ضربتم في الأرض " وفي الذيل ما يناسب 2
4 في قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين 6
5 في المسافة التي شرط في القصر، والبحث حولها مفصلا 10
6 في صلاة المسافر الذي سفره أكثر من حضره، وفي الذيل ما يتعلق 19
7 فيمن نوى الإقامة في بلد عشرة أيام، وفي الذيل ما يناسب 38
8 فيمن فات صلاته في السفر، وفيها بيان 45
9 العلة التي من أجلها كانت الصلاة المغرب في السفر والحضر ثلاث ركعات،... 56
10 * الباب الثاني * مواضع التخيير 74
11 الآيات المتعلقة بالباب في ذيل الصفحة وما يناسب ذلك 74(ه‍)
12 الأقوال في حكم الصلاة في المواطن الأربعة 82
13 في النجف 87
14 حرم الحسين عليه السلام وحد الحائر، وما قاله العلامة المجلسي رحمه الله 89
15 * الباب الثالث * صلاة الخوف وأقسامها وأحكامها، وفيه: 4 - آيات، و: أحاديث 95
16 في وجوب التقصير في صلاة الخوف 96
17 في شروط صلاة الخوف 105
18 في أن صلاة الخوف على ثلاثة وجوه 109
19 قصة رسول الله (ص) والحديبية، وخالد بن الوليد، ونزول قوله تعالى... 110
20 في كيفية صلاة الخوف 115
21 * أبواب * * فضل يوم الجمعة وفضل ليلتها وصلواتهما وآدابهما * * وأعمال سائر أيام الأسبوع * * الباب الأول * وجوب صلاة الجمعة وفضلها وشرائطها وآدابها وأحكامها وفيه: آيات وأحاديث 122
22 تفسير الآيات، وفي الذيل ما يناسب ويتعلق بالمقام 123
23 بحث حول صلاة الجمعة وسورة الجمعة 133
24 فيما يستنبط من آيات السورة الجمعة، ومعنى الامام 139
25 أقوال الفقهاء في الصلاة الجمعة وشرائطها 141
26 في قول الباقر (ع): إنما فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا... 153
27 في أن الناس في الجمعة على خمسة أقسام 167
28 في أول وقت الجمعة وآخر وقتها 171
29 دعاء القنوت في الوتر ويوم الجمعة 190
30 العلة التي من أجلها صارت صلاة الجمعة ركعتين وجعلت الخطبة يوم الجمعة... 201
31 توضيح مرام ودفع أوهام وشرح للحديث من العلامة المجلسي (ره) 203
32 في أعمال الجمعة 212
33 الاستدلال بوجوب التخييري 217
34 بحث وتحقيق في وجوب صلاة الجمعة وعدم وجوبها 221
35 بحث في الاجماع وتحققه 222
36 فيما قاله السيد ابن الطاوس رحمه الله في صلاة الجمعة وأدلتها 227
37 في أن صلاة الظهر يوم الجمعة هي صلاة الجمعة 230
38 أول جمعة خطب فيها رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة، ومتن الخطبة 232
39 الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين عليه السلام لصلاة الجمعة، وشرح لغاتها 234
40 خطبة أخرى التي خطبها علي عليه السلام يوم الجمعة، وشرح لغاتها... 236
41 في القدر المعتبر في كل من الخطبتين 258
42 * الباب الثاني * فضل يوم الجمعة وليلتها وساعاتها، وفيه: آية، و: 33 - حديثا 263
43 معنى قوله تعالى: " وشاهد ومشهود " وفيه معان ووجوه وتأويل 263
44 الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة 273
45 في أن الأعياد أربعة 276
46 * الباب الثالث * اعمال ليلة الجمعة وصلاتها وأدعيتها، وفيه: 39 - حديثا 287
47 في من كان له حاجة، والدعاء قبل الافطار 287
48 فيمن أراد حفظ القرآن 288
49 الدعاء في ليلة الجمعة وعرفة ويومهما (اللهم من تعبأ) 294
50 دعاء آخر في ليلة الجمعة، وفيه بيان 296
51 الدعاء في الوتر وبعده في ليلة الجمعة 298
52 فيما يقرء من القرآن في ليلة الجمعة 310
53 الصلاة في ليلة الجمعة 319
54 * الباب الرابع * أعمال يوم الجمعة وآدابه ووظائفه، وفيه: 68 - حديثا 329
55 في الغسل وقص الأظفار، وزيارة النبي (ص) والأئمة عليهم السلام 329
56 في تقليم الأظفار 344
57 فيمن اغتسل يوم الجمعة 356
58 السنن في يوم الجمعة، وهي سبعة 360
59 فيمن أراد أن يدرك فضل يوم الجمعة 366
60 الصلاة المعروفة بالكاملة والدعاء بعدها 371