من دخل في ثوبه حية وهو محتاج إلى دفع ضراوتها (1) فاشتغل بالبحث عن لونها وطولها وعرضها، وذلك عين الجهل لمصادفة الخواطر الباعثة على الشرور، وقد علمت، ودل ذلك على أنه عن سبب لا محالة، وعلم أن الداعي إلى الشر المحذور المستقبل عدو فقد عرف العدو فينبغي أن يشتغل بمجاهدته.
وقد عرف الله سبحانه عداوته في مواضع كثيرة من كتابه ليؤمن به ويحترز عنه فقال تعالى: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " (2) وقال تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " (3) فينبغي للعبد أن يشتغل بدفع العدو عن نفسه لا بالسؤال عن أصله ونسبه ومسكنه.
نعم ينبغي أن يسأل عن سلاحه ليدفعه عن نفسه، وسلاح الشيطان الهوى والشهوات، وذلك كاف للعالمين فأما معرفة صفة ذاته وحقيقة الملائكة، فذلك ميدان العارفين المتغلغلين في علوم المكاشفات، ولا يحتاج في المعاملة إلى معرفته إلى آخر ما حققه في هذا المقام.
وأقول: ما ذكره أن دفع الشيطان لا يتوقف على معرفته حق لكن تأويل الملك والشيطان بما أومأ عليه في هذا المقام، وصرح به في غيره مع تصريح الكتاب بخلافه جرأة على الله تعالى وعلى رسوله، كما حققناه في المجلد الرابع عشر والتوكل على الله العليم الخبير، وإنما بسطنا الكلام في هذا المقام، ليسهل عليك فهم الأخبار الماضية والآتية.
" وشيطان مفتن " بكسر التاء المشددة أو المخففة أي مضل في القاموس الفتنة بالكسر الخبرة، وإعجابك بالشئ، فتنه يفتنه فتنا وفتونا وأفتنه، والضلال والاثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، وإذابة الذهب والفضة، والاضلال، والجنون