إصبعين من أصابع الرحمان، والله سبحانه منزه عن يكون له أصبع مركبة من دم ولحم وعظم ينقسم بالأنامل، ولكن روح الإصبع سرعة التقليب والقدرة على التحريك والتغيير، فإنك لا تريد أصبعك لشخصها بل لفعلها في التقليب والترديد، وكما أنك تتعاطى الافعال بأصابعك، فالله تعالى إنما يفعل ما يفعله باستسخار الملك والشيطان وهما مسخران بقدرته في تقليب القلوب، كما أن أصابعك مسخرة لك في تقليب الأجسام مثلا.
والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار [الملائكة و] الشياطين صلاحا متساويا ليس يترجح أحدهما على الآخر، وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى، والإكباب على الشهوات أو الاعراض عنها ومخالفتها، فان اتبع الانسان مقتضى الشهوة والغضب ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى، وصار القلب عش الشيطان ومعدنه، لان الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه، وتشبه بأخلاق الملائكة، صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم.
ولما كان لا يخلو قلب عن شهوة وغضب وحرص وطمع وطول أمل إلى غير ذلك من صفات البشرية المتشعبة عن الهوى، لاجرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما منكم من أحد إلا وله شيطان قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم، فلم يأمرني إلا بخير.
وإنما كان هذا لان الشيطان لا يتصرف إلا بواسطة الشهوة فمن أعانه الله على شهوته حتى صار لا ينبسط إلا حيث ينبغي، وإلى الحد الذي ينبغي، فشهوته لا تدعوه إلى الشر، فالشيطان المتدرع بها لا يأمر إلا بالخير، ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى، وجد الشيطان مجالا فوسوس، ومهما انصرف القلب إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان، وضاق مجاله، وأقبل الملك وألهم.
فالتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن ينفتح القلب لأحدهما فيسكن ويستوطن، ويكون اجتياز الثاني اختلاسا وأكثر القلوب