بيان: الخلق بالضم ملكة للنفس يصدر عنها الفعل بسهولة، ومنها ما تكون خلقية، ومنها ما تكون كسبية بالتفكر والمجاهدة والممارسة، وتمرين النفس عليها، فلا ينافي وقوع التكليف بها، كما أن البخيل يعطي أولا بمشقة ومجادلة للنفس، ثم يكرر ذلك حتى يصير خلقا وعادة له، والمراد بتخصيص الرسل بها أن الفرد الكامل منها مقصورة عليهم أو هم مقصورون عليها، دون أضدادها فان الباء قد تدخل على المقصور، كما هو المشهور، وقد تدخل على المقصور عليه أو المعنى خص الرسل بانزال المكارم عليهم وأمرهم بتبليغها كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
" واعلموا أن ذلك من خير " أي من خير عظيم أراد الله بكم أو علم الله فيكم من صفاء طينتكم أو من عمل خير أو نية خير صدر عنكم فاستحققتم أن يتفضل عليكم بذلك، أو اعلموا أن ذلك من توفيق الله سبحانه ولا يمكن تحصيل ذلك إلا به، أو عدوه من الخيرات العظيمة أو خص رسله من بين سائر الخلق بالنبوة والرسالة والكرامة، بسبب مكارم الأخلاق التي علمها فيهم.
واليقين أعلا مراتب الايمان، بحيث يبعث على العمل بمقتضاه كما مر، والقناعة الاجتزاء باليسير من الاعراض المحتاج إليها، يقال: قنع يقنع قناعة إذا رضي والأظهر عندي أنها الاكتفاء بما أعطاه الله تعالى وعدم طلب الزيادة منه قليلا كان أم كثيرا، والصبر هو حبس النفس عن الجزع عند المصيبة وعن ترك الطاعة لمشقتها وعن ارتكاب المعصية لغلبة شهوتها، والشكر مكافاة نعم الله في جميع الأحوال باللسان والجنان والأركان، والحلم ضبط النفس عن المبادرة إلى الانتقام فيما يحسن لا مطلقا.
وحسن الخلق هو المعاشرة الجميلة مع الناس بالبشاشة والتودد والتلطف والاشفاق، واحتمال الأذى عنهم، والسخاء بذل المال بسهولة على قدر لا يؤدي إلى الاسراف في موضعه وأفضله ما كان بغير سؤال والغيرة الحمية في الدين، وترك المسامحة فيما يرى في نسائه وحرمه من القبايح، لا تغير الطبع بالباطل والحمية