تكليف خلو القصد عنها تكليف بالمحال والجمع بين الضدين، كأن يقول أحد: ائت الموضع الفلاني لرؤية الأسد من غير أن يكون غرضك رؤيته، أو اذهب إلى السوق واشتر المتاع من غير أن تقصد شراء المتاع، وقد ورد في الأخبار الكثيرة منافع دنيوية للطاعات ككون صلاة الليل سببا لوسعة الرزق، وكون الحج موجبا للغنى وأمثال ذلك كثيرة، فلو كانت هذه مخلة بالقربة لكان ذكرها إغراء بالقبيح، إذ بعد السماع ربما يمتنع تخلية القصد عنها.
نعم يمكن أن تؤل هذه القصود بالآخرة إلى القربة، كأن يكون غرض طالب الرزق صرفه في وجوه البر والتقوي به على الطاعة، ومن يكون مقصوده من طول العمر تحصيل رضا الرب تعالى لكن هذا القصد لا يتحقق واقعا وحقيقة إلا لآحاد المقربين، ولا يتيسر لأكثر الناس هذه النية وهذا الغرض، إلا بالانتحال والدعاوي الكاذبة، وتوهم أن الاخطار بالبال نية واقعية، وبينهما بعد المشرقين.
فالظاهر أنه يكفي لكونه طاعة وقربة كونه بأمره سبحانه وموافقا لرضاه ومتضمنا لذكره والتوسل إليه وإن كان المقصود تحصيل بعض الأمور المباحة لنيل اللذات المحللة وأما النيات الكاملة والاغراض العرية عن المطالب الدنية الدنيوية فهي تختلف بحسب الاشخاص والأحوال، ولكل منهم نية تابعة لشاكلته وطريقته وحالته بل لكل شخص في كل حالة نية تتبع تلك الحالة ولنذكر بعض منازلها ودرجاتها.
فالأولى نية من تنبه وتفكر في شديد عذاب الله وأليم عقابه، فصار ذلك موجبا لحط الدنيا ولذاتها عن نظره، فهو يعمل كل ما أراد من الأعمال الحسنة ويترك ما ينتهي عنه من الأعمال السيئة، خوفا من عذابه.
الثانية نية من غلب عليه الشوق إلى ما أعد الله للمحسنين في الجنة، من نعيمها وحورها وقصورها، فهو يعبد الله لتحصيل تلك الأمور، وهاتان نيتان صحيحتان على الأظهر، وإن توهم الأكثر بطلان العبادة بهما لغفلتم عن معنى النية كما عرفت، والعجب أن العلامة رحمه الله ادعى اتفاق العدلية على أن من