وصرنا بالمدائن وكنت يومئذ مسائرا له إذ خرج إليه قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين (1) قد جاؤوا بها هدية (2) إليه فقبلها، وكان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى (سرسفيل) وكانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى وترجع إلى قوله فيما سلف، فلما بصر بأمير المؤمنين عليه السلام قال له: يا أمير المؤمنين لترجع عما قصدت! قال: ولم ذاك يا دهقان؟ قال: يا أمير المؤمنين! تناحست النجوم الطوامع، فنحس أصحاب السعود، وسعد أصحاب النحوس، ولزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاستخفاء والجلوس، وإن يومك هذا يوم مميت، قد اقترن فيه كوكبان قتالان، وشرف فيه بهرام في برج الميزان، واتقدت من برجك النيران وليس الحرب لك بمكان. فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال أيها الدهقان المنبئ بالاخبار، والمحذر من الاقدار، ما نزل البارحة في آخر الميزان؟ وأي نجم حل في السرطان؟ قال: سأنظر ذلك، واستخرج من كمه أسطرلابا وتقويما، قال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنت مسير الجاريات؟ قال: لا، قال: فأنت تقضي على الثابتات؟ قال: لا، قال: فأخبرني عن طول الأسد وتباعده من المطالع والمراجع وما الزهرة من التوابع والجوامع؟ قال: لا علم لي بذلك. قال فما بين السراري (3) إلى الدراري؟ وما بين الساعات إلى المعجرات؟ وكم قدر شعاع المبدرات؟
وكم تحصل الفجر في الغدوات؟ قال: لا علم لي بذلك، قال: فهل علمت يا دهقان أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت بالصين، وانقلب برج ماجين، و احترق دور بالزنج، وطفح جب سرانديب، وتهدم حصن الأندلس، وهاج نمل الشيح، وانهزم مراق الهندي، وفقد ديان اليهود بإيلة، وهدم بطريق الروم برومية، وعمي راعب عمورية، وسقطت شرفات القسطنطنية أفعالم أنت بهذه الحوادث وما الذي أحدثها شرقيها أو غربيها من الفلك؟ قال: لا علم لي بذلك