فضيلة وأفخر منقبة، احتجنا أن ننظر في حال مبيت أمير المؤمنين عليه السلام على الفراش، وهل يقارب ذلك أو يساويه؟ فوجدناه يزيد في الظاهر عليه، وذلك أن إبراهيم عليه السلام قال لابنه إسماعيل: " إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (1) " فاستسلم لهذه المحنة مع علمه بإشفاق الوالد على الولد ورأفته به ورحمته له، وأن هذا الفعل لا يكاد يقع من الوالد بولده بل لم يقع فيما مضى (2) ولم يتوهم فيما يستقبل، وكان هذا الامر (3) يقوي في ظن إسماعيل أن المقال من أبيه خرج مخرج الامتحان له في الطاعة دون تحقيق العزم (4) على إيقاع الفعل فيزول كثير من الخوف معه وترجى السلامة عنده، وأمير المؤمنين عليه السلام دعاه أبو طالب إلى المبيت على فراش الرسول صلى الله عليه وآله وفداءه بنفسه، وليس له من الطاعة عليه ما للأنبياء عليهم السلام على البشر، ولم يأمره بذلك عن وحي من الله عز وجل كما أمر إبراهيم عليه السلام ابنه وأسند أمره إلى الوحي.
ومع علم أمير المؤمنين عليه السلام أن قريشا أغلظ الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وأقساهم قلبا، وما يعرفه كل عاقل من الفرق بين الاستسلام للعدو المناصب والمبغض المعاند الذي يريد أن يشفي نفسه ولا يبلغ الغاية في شفائها إلا بنهاية التنكيل وغاية الأذى بضروب الآلام وبين الاستسلام للولي المحب والوالد المشفق الذي يغلب في الظن أن إشفاقه يحول بينه وبين إيقاعه الضرر بولده، إما مع الطاعة لله عز وجل بالمسألة والمراجعة أو بارتكاب المعصية ممن يجوز عليه ارتكاب المعاصي، أو يحمل ذلك منه على ما قدمناه من الاختبار والتورية في الكلام ليصح له مطلوبه من الامتحان، وإذا كان محنة أمير المؤمنين عليه السلام أعظم من محنة إسماعيل بما كشفناه ثبت أن الفضيلة التي حصل بها أمير المؤمنين عليه السلام (5)