وبعد الحسن الحجة صلوات الله عليهم، اصطفانا الله وطهرنا وآتانا (1) ما لم يؤت أحدا من العالمين.
ثم قلت: يا ابن رسول الله إن عبد الله بن سعد دخل عليك بالأمس فسألك عما سألتك فأجبته بخلاف هذا، فقال: يا يونس كل امرئ وما يحتمله وكل وقت حديثه (2) وإنك لأهل لما سألت، فاكتمه إلا عن أهله والسلام.
قال أبو محمد: وحدثني أبو العباس بن عقدة، عن الحميري، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن أحمد، عن الحسن بن علي، عن ابن أخت شعيب العقرقوفي، عن خاله شعيب قال: كنت عند الصادق إذ دخل عليه يونس فسأله و ذكر الحديث، إلا أنه يقول في حديث شعيب عند قوله ليونس: إذا أردت العلم الصحيح فعندنا، فنحن أهل الذكر الذي قال الله تعالى: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (3).
بيان: قوله: " فمن أخذه بهذه السيرة " وفي بعض النسخ " فمن أخذه بهذه المسيرة " فالضمير راجع إلى الله أو إلى كل واحد من الحكمة والعلم والصدق، والمراد بهذه السيرة أو المسيرة طلب الحكمة بالصمت، والعلم بالطلب، والصدق بالعبادة، ولا يبعد أن يكون في الأصل " فمن أخذ هذه المسيرة " ولعل حاصل المعنى أن الانسان إذا عمل الطاعات مع التفكر وأعمل فكرته في خالقه وفيما خلق له وفيما يجب عليه تحصيله وفي السبيل الذي ينبغي له أن يحصل ذلك منه وفي الباب الذي يجب أن يأتي الله منه وفي العمل الذي يوجب قربه ويورث نجاته فيعمل بعد ذلك خالصا على يقين فذلك يوصله إلى درجة المحبة ويفتح الله عليه به أبواب الحكمة، ويفيض على قلبه من ألطافه الخاصة، وأما إذا طلب الحكمة بمحض الصمت، والعلم بمحض الطلب من غير أن يتفكر فيمن يطلب منه العلم والصدق بالعبادة من غير أن يتفكر فيما ينجيه منها فمثل هذا قد يتفق له سبيل النجاة