أبي بكر لبعده في النسب فمردود بأن ذلك كذب صريح وافتراء على أهل الجاهلية والعرب، ولم يعرف في زمان من الأزمنة أن يكون الرسول - سيما لنبذ العهد - من سادات القوم وأقارب العاقد! وإنما المعتبر فيه أن يكون موثوقا به ولو بانضمام القرائن ولم ينقل هذه العادة أحد من أرباب السير، ولو كانت موجودة في رواية أو كتاب لعينوا موضعها كما هو المعهود في مقام الاحتجاج، وقد اعترف ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة بأن (ذلك غير معروف من عادة العرب، وأنه إنما هو تأويل تعول به متعصبوا أبي بكر لانتزاع البراءة منه وليس بشئ) وقد أشرنا في تقرير الدليل إلى بطلان ذلك، إذ لو كان إرجاعه لهذه العلة كان لم يخف هذا على الرسول وجميع الحاضرين في أول الأمر (1)، مع أن كثيرا من الاخبار صريحة في خلاف ذلك.
فأما جواب بعضهم عما ذكره الأصحاب من أن الرسول الله صلى الله عليه وآله لم يوله شيئا من الأمور بأن عدم توليته الأعمال كان لحاجة الرسول صلى الله عليه وآله إليه وإلى عمر في الآراء والتدابير!
كما ذكره قاضي القضاة، فأجاب السيد المرتضى في الشافي (2) عنه بأنا قد علمنا من العادة أن من يرشح (3) لكبار الأمور لابد من أن يدرج إليها (4) بصغارها، لان من يريد بعض الملوك تأهيله للامر بعده لابد من أن ينبه عليه بكل قول وفعل يدل على ترشيحه لتلك المنزلة، ويستكفيه من أموره وولاياته ما يعلم عنده أو يغلب في الظن صلاحه لما يريده له، وأن من يرى الملك مع حضوره وامتداد الزمان وتطاوله لا يستكفيه شيئا من الولايات، ومتى ولاه عزله وإنما يولي غيره ويستكفي سواه لابد أن يغلب في الظن أنه ليس بأهل للولاية، وإن جوزنا أنه لم يوله بأسباب كثيرة سواه، وأما من يدعي أنه