من الطريق وبعث غيره مكانه لا يخطر ببال العقلاء في ذلك إلا احتمالان: إما أن يكون أولا جاهلا بحال ذلك الشخص وعدم صلاحيته لذلك ثم بعد العلم بدا له في ذلك، أو كان عالما وكان غرضه الإشارة بكمال الثاني وحط منزلة الأول.
ونقول أيضا: قد عرفت مرارا أنه إذا اتفقت أخبار الفريقين في شئ وتفرد بعض أخبارهم بما يضاده فالتعويل إنما هو على ما توافقت فيه الروايتان، ولا يخفى أنك إذا لاحظت المشترك بين أخبارنا وأخبارهم عرفت أنها دالة بصراحتها على أن الباعث على عزل أبي بكر لم يكن إلا نقصه وحط مرتبته عن مثل ذلك، ولم يكن السبب لبعث أمير المؤمنين عليه السلام ثانيا إلا كماله، وكون استيهال (1) التبليغ عن الله ورسوله ونيابة الرسول الله صلى الله عليه وآله وخلافته في الأمور منحصرا فيه، ولا أظنك بعد اطلاعك على ما قدمناه تحتاج إلى إعادتها، والاستدلال بخصوص كل خبر على ما ذكرنا.
وأما إنكار بعض متعصبيهم عزل أبي بكر وأنه كان أميرا للحاج وذهب إلى ما أمر به فلا ترتاب بعد ما قرع سمعك من الاخبار أن ليس الداعي إلى ذلك إلا الكفر والعصبية والعناد، وقد اعترف قاضي القضاة في المغني ببطلان ذلك الانكار، وقال ابن أبي الحديد (2):
روى طائفة عظيمة من المحدثين أنه لم يدفعها إلى أبي بكر، لكن الأظهر الأكثر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعلي عليه السلام فانتزعها منه انتهى أقول: ليث شعري لم لم يذكر أحدا من تلك الطائفة العظيمة ليدفع عن نفسه ظن العصبية والكذب.
وأما ما تمسك به بعضهم من لزوم النسخ قبل الفعل فعلى تقدير عدم جوازه له نظائر كثيرة، فكل ما يجري فيها من التأويل فهو جار ههنا، وأما اعتذار الجبائي والزمخشري والبيضاوي والرازي وشارح التجريد وغيرهم بأنه كان من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عهدا لقوم فإن ذلك العقد لا ينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه فعدل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أبي بكر إلى علي عليه السلام حذرا من أن لا يعتبروا نبذ العهد من